ما الذي تغض بي بي سي الطرف عنه في رواية الـ 7 من أكتوبر؟
أمام طوفان المظاهرات الحاشدة التي تؤيد القضية الفلسطينية وتوجه أنظار العالم إلى ما يحدث في قطاع غزة منذ أسابيع، يتحيز إعلام الغرب دائمًا لكفة المحتل مبررًا عدوانه ضد المدنيين العزل في القطاع، فما الذي تصرف بي بي سي النظر عنه في رواية السابع من أكتوبر؟
أرسلت بي بي سي مراسلتها “لوسي ويليامسون” مرة أخرى هذا الأسبوع لتغطية الأوضاع في مجتمع كيبوتس، خارج غزة، بعد تغطيتها الأولى المباشرة في 7 أكتوبر. والتقطت كاميرات المراسلة صور المنازل الإسرائيلية المحترقة من الداخل والخارج، والجدران المنهارة جزئيًا أو بالكامل التي تملؤها الثقوب. وكانت أجزاء من المباني متفحمة بشدة، فبدا الأمر وكأنه لقطة صغيرة لأهوال الحرب في غزة.
ما الذي تغض بي بي سي الطرف عنه في أحداث 7 أكتوبر بغزة؟
تثير أوجه التشابه في شكل الدمار الذي لحق بمجتمع كيبوتس الإسرائيلي وقطاع غزة تساؤلات كثيرة، وربما تعمدت بي بي سي عدم الكشف عن حقيقتها، على الرغم من الأدلة المتزايدة من مصادر متنوعة بما في ذلك وسائل الإعلام الإسرائيلية. وبدلًا من ذلك فإن بي بي سي وبقية وسائل الإعلام الغربية تلتزم برواية واحدة صاغها الجيش الإسرائيلي: أن حماس وحدها تسببت في كل هذا الدمار.
إن مجرد تكرار هذه الرواية دون أي تحفظات يشكك في نزاهة الصحافة ويضع مصداقيتها على المحك. ومع ذلك تصر بي بي سي على تبينها الرواية المزعومة يومًا بعد يوم.
يمكن لأي مراسل صحفي نبيه ألقى نظرة خاطفة على الحطام في مختلف مجتمعات الكيبوتس التي تعرضت للهجوم في الـ7 أكتوبر أن يتساءل: هل يمكن حقًا أن يلحق المقاتلون الفلسطينيون الذين يحملون أسلحة خفيفة وغير متطورة أضرارًا مادية بهذه الدرجة؟
وإذا لم يكن الأمر كذلك، فمن كانت له القوة لإحداث مثل هذا الخراب غير قوات إسرائيل؟
هذا ويوجد سؤال منفصل يجب أن يطرحه الصحفيون الأحرار: ما الغرض من هذا الضرر؟ وما كان يأمل المسلحون الفلسطينيون في تحقيقه؟
الجواب الضمني الذي تقدمه وسائل الإعلام هو الجواب نفسه الذي يريد الجيش الإسرائيلي أن يسمعه جمهور الغرب: أن حماس انخرطت في غارات وحشية وغير مبررة، ثم دعنا نقول الجزء الهادئ من الحقيقة المصورة بصوت عالٍ: لأن الفلسطينيين متوحشون بطبيعتهم.
وبهذه الرواية المزعومة، منح السياسيون في الغرب أنفسهم الحق في تشجيع إسرائيل التي تقتل طفلًا فلسطينيًا في غزة كل بضع دقائق تحت مسمى الدفاع عن النفس، فنستنتج بعد كل شيء أن المتوحشين يفهمون ويتحدثون لغة الوحشية فقط!
رقصة التانغو الوحشية
يجب على أي صحفي يرغب في تجنب التواطؤ في الإبادة الجماعية التي تحدث في غزة أن يكون حذرًا بشدة من تكرار مزاعم الجيش الإسرائيلي بشأن ما حدث في الـ 7 أكتوبر مثلما تفعله بي بي سي.
هذا وقد بيَّنت مجموعة متزايدة من الأدلة المستقاة من وسائل إعلام العدو وشهود العيان الإسرائيليين أن الجيش الإسرائيلي كان معصوب العينين بأحداث ذلك اليوم، فاستدعى المدفعية الثقيلة، والدبابات والمروحيات للهجوم مع حماس بقرار مباشر فيما يتعلق بالقواعد العسكرية التي اجتاحتها حماس.
أضف إلى ذلك، فإن إسرائيل معروفة بسياستها الثابتة في منع أسر الجنود الإسرائيليين مهما كلف الثمن. ولعشرات السنوات، تبنت القوات الإسرائيلية ما يسمى بـ «بروتوكول حنبعل» الذي بموجبه يقتل الجنود زملاءهم بدلًا من السماح بأسرهم. وللسبب نفسه، تبذل حماس جهودًا جبارة في محاولة إيجاد طرق مبتكرة لخطف الجنود.
وبالنظر إلى وضع حماس، التي تدير بشكل فعال معسكر الاعتقال الذي تسيطر عليه إسرائيل في غزة، وإلى استراتيجيات مقاومتها المحدودة، فإن أسر الجنود الإسرائيليين يزيد من نفوذها ويعزز وضعها في المطالبة بتبادل الرهائن والإفراج عن آلاف السجناء السياسيين الفلسطينيين المحتجزين ظلمًا في السجون الإسرائيلية. كما تأمل حماس أثناء المفاوضات في تخفيف الحصار على غزة الذي دام 16 عامًا.
ولتجنب هذا السيناريو، ورد أن القادة الإسرائيليين استدعوا طائرات هليكوبتر للهجوم على القواعد العسكرية التي اجتاحتها حماس في 7 أكتوبر. ويبدو أن طائرات الهليكوبتر أطلقت النار بشكل عشوائي رغم الخطر الذي يتعرض له الجنود الإسرائيليون في القاعدة. ونفذت قوات المحتل يومها سياسة الأرض المحروقة لمنع حماس من تحقيق أهدافها، ما يفسر نسبيًا عدد الجنود الإسرائيليين القتلى الذي وصل إلى 1.300 جندي.
أجساد متفحمة
لكن ماذا عن الوضع في مجتمعات الكيبوتس؟ بحلول الوقت الذي وصل فيه الجيش الإسرائيلي، كانت حماس قد احتجزت السكان كرهائن داخل منازلهم. وتشير شهادات شهود العيان الإسرائيلية والتقارير الإعلامية إلى أن حماس كانت تحاول بشكل شبه مؤكد التفاوض على ممر آمن إلى غزة، باستخدام المدنيين الإسرائيليين كدروع بشرية يمكن استخدامها لاحقًا كأوراق مساومة للإفراج عن السجناء الفلسطينيين.
من جهة أخرى، تروي الأدلة من تقارير الإعلام الإسرائيلية وشهود العيان، بالإضافة إلى التسجيلات في المنطقة قصة أكثر تعقيدًا بكثير من تلك تقدمها بي بي سي للجمهور. وتدور القصة بشأن السؤال التالي: هل أطلق الجيش الإسرائيلي النار على منازل المدنيين التي تسيطر عليها حماس بالطريقة نفسها التي أطلقت بها النار على قواعدها العسكرية، متجاهلًا سلامة الإسرائيليين في الداخل ؟ وهل الهدف في جميع الأحوال هو منع حماس مهما كلف الثمن من أخذ الرهائن الذين يتطلب إطلاق سراحهم ثمنًا باهظًا جدًا؟ حتى أن إحدى شهود العيان قالت إن القوات الخاصة الإسرائيلية قضت على الجميع بمن فيهم الرهائن بسبب تبادل إطلاق نار كثيف.
وتبقى جريمة حماس في استخدام الرهائن كدروع بشرية جريمة مألوفة نراها من الجيش الإسرائيلي الذي يوثقها بانتظام تحت مسمى “إجراء الإنذار المبكر”. وربما نفذ جيش المحتل جرائم أفظع، لا سيما بالنظر إلى نجاح حماس في الخروج من غزة وفرار أعداد كبيرة من الفلسطينيين من القطاع، بعضهم مدنيون مسلحون لا صلة لهم بالعملية. وفي مثل هذه الظروف، سيكون من الغريب عدم وجود أمثلة على الفظائع التي ترتكب وتتصدر العناوين الرئيسة.
ونأتي لطرح السؤال مرة أخرى: هل كانت هذه الجرائم مخططة، كما تدعي إسرائيل وتكرر وسائل الإعلام الغربية، أو مجرد عمليات نفذها أفراد أو مجموعات؟
إذا كان الاحتمال الثاني صحيحًا، فإن إسرائيل ليست في وضع يسمح لها بالحكم على هؤلاء الأفراد والجماعات بالوحشية خاصة وأن تاريخها حافل بأمثلة على جرائم مماثلة، من بينها الجريمة الموثقة لوحدة الجيش الإسرائيلي التي أسرت فتاة بدوية في عام 1949 واغتصبتها بشكل جماعي أكثر من مرة.
ولن تختص حماس وحدها بالوحشية، ففي أعقاب هجوم الـ7 أكتوبر، ظهرت مقاطع فيديو لانتهاكات في حق مقاتلي حماس الأسرى الأحياء منهم والموتى. تُظهر الصور أنهم يتعرضون للضرب والتعذيب في الأماكن العامة لإرضاء المتفرجين، وتظهر تسجيلات أخرى أن جثث مقاتلي حماس تتعرض للتدنيس والتشويه.
المصدر: The UNZ Review
اقرأ أيضًا:
الرابط المختصر هنا ⬇