العرب في بريطانيا | بين الإيمان والانتماء: صراع الهوية الدينية للشب...

1447 جمادى الثانية 23 | 14 ديسمبر 2025

بين الإيمان والانتماء: صراع الهوية الدينية للشباب المسلم في الغرب

WhatsApp Image 2025-12-14 at 8.27.48 AM
محمد صالح December 14, 2025

سؤال الهوية المفتوح هل يمكن لشاب مسلم أن يكون مسلمًا دون حرج، ومواطنًا غربيًا دون شعور بالذنب؟ هذا السؤال لم يعد فلسفيًا أو نظريًا، بل أصبح واقعًا يوميًا يعيشه آلاف الشباب المسلمين في المجتمعات الغربية. فبين جدران البيت وهوية الشارع، يتشكل صراع صامت لكنه عميق، يُعرف اليوم بما يمكن تسميته صراع الهوية الدينية.

بين البيت والشارع

هذا الصراع لا يبدأ فجأة، ولا يظهر دائمًا في صورة تمرد أو قطيعة مع الدين، بل يتسلل بهدوء عبر تفاصيل الحياة اليومية. في المنزل، يتربى الشاب على قيم دينية واضحة: الصلاة، الالتزام الأخلاقي، احترام التقاليد، والانتماء إلى جماعة ثقافية ودينية محددة. خارج المنزل، يواجه عالمًا مختلفًا تمامًا، تحكمه قيم الفردانية، والحرية الشخصية، ونمط حياة قد يتعارض أحيانًا مع ما تربى عليه.

هنا تبدأ الأسئلة الصعبة: كيف أكون نفسي دون أن أخيّب توقعات أسرتي؟ وكيف أندمج دون أن أفقد هويتي؟ هذه الأسئلة، حين تبقى دون إجابات صادقة، تتحول إلى عبء نفسي متراكم.

تفاصيل يومية وضغوط غير مرئية

يتجلى هذا الصراع في ممارسات قد تبدو بسيطة، لكنها تحمل دلالات عميقة. شابة ترتدي الحجاب في محيط العائلة او داخل المسجد في ليالي رمضان في صلاة التراويح فقط، طالب يتجنب الصلاة في الجامعة، أو شاب يغيّر اسمه أو يخفي هويته الدينية في مكان العمل. هذه السلوكيات لا تعكس ضعفًا في الإيمان بقدر ما تعكس ضغط الاندماج والخوف من الوصم.

ولا يمكن فصل هذا الواقع عن السياق العام الذي يعيش فيه المسلمون في الغرب. فالإسلاموفوبيا، والخطاب الإعلامي السلبي المتعمد، وربط الإسلام بالتطرف، كلها عوامل تزيد من شعور الشباب بعدم الأمان. عندما يشعر الشاب أن هويته الدينية موضع شك دائم، يصبح إخفاؤها وسيلة دفاع نفسي، لا خيارًا حرًا.

الجيل الثاني والثالث: هوية معلّقة

الأمر يصبح أكثر تعقيدًا لدى أبناء الجيل الثاني والثالث من المهاجرين. هؤلاء لم يختاروا الهجرة، لكنهم وُلدوا داخل هذا التوتر الثقافي. في بلد آبائهم يُنظر إليهم كـغربيين، وفي بلد إقامتهم يُعاملون كـمختلفين. هذه الهوية الهجينة قد تكون مصدر غنى ثقافي، لكنها في غياب الدعم تتحول إلى شعور دائم بعدم الانتماء الكامل لأي مكان.

من المسؤول عن هذا الصراع؟

من الخطأ تحميل الشباب وحدهم مسؤولية هذا الصراع. فالأسر أحيانًا تفرض نموذجًا مثاليًا للهوية الدينية دون مراعاة واقع العيش في الغرب، والمؤسسات الدينية قد تقدم خطابًا منفصلًا عن السياق اليومي للشباب، بينما تفشل بعض المدارس والمجتمعات في توفير بيئة حقيقية تحترم التنوع الديني.

في رأيي، الحل لا يكمن في مطالبة الشباب بالاختيار بين الدين أو المجتمع، بل في الاعتراف بأن الهوية ليست معادلة صفرية. يمكن للشاب أن يكون مسلمًا ملتزمًا ومواطنًا فاعلًا، دون أن يشعر بأنه ممزق بين عالمين متناقضين. هذا يتطلب حوارًا صريحًا داخل الأسرة، وخطابًا دينيًا مرنًا وواقعيًا، وسياسات تعليمية تعترف بالتعددية لا تكتفي بشعارها.

الإعلام والمجتمع: دور لا يمكن تجاهله

كما أن على الإعلام والمجتمع الأوسع مسؤولية كبيرة في إعادة النظر في طريقة تمثيل المسلمين. فالتعامل معهم كمواطنين كاملي الحقوق، لا كاستثناء ثقافي أو أمني، يخلق مساحة آمنة تسمح للشباب بالتعبير عن هويتهم دون خوف أو تردد.

 نحو هوية متوازنة

في النهاية، صراع الهوية الدينية للشباب المسلم في الغرب ليس علامة ضعف ولا فشل في الاندماج، بل نتيجة طبيعية لتقاطع ثقافتين في حياة واحدة. التعامل مع هذا الصراع بوعي وإنصاف يمكن أن يحوّله من مصدر قلق إلى فرصة لبناء هوية متوازنة، واثقة، وقادرة على التعايش.

الشباب المسلم لا يحتاج إلى مزيد من الأحكام أو الوصاية، بل إلى فهم، ودعم، ومساحات يشعر فيها أن الانتماء لا يعني التخلي عن الذات. فقط عندها، يمكن لهذا الصراع أن يتحول من عبء يومي إلى تجربة نضج إنساني حقيقية.


اقرأ أيضًا:

جميع المقالات المنشورة تعبّر عن رأي أصحابها ولا تعبّر بالضرورة عن رأي المنصة

اترك تعليقا

آخر فيديوهات القناة