بريطانيا ترفض دخول عائلة طالبة دكتوراه من غزة رغم استيفائها الشروط
في وقتٍ يُفترض أن يكون بداية مرحلة أكاديمية مشرقة، تجد منار الحوبي، وهي طالبة دكتوراه من غزة، نفسها تعيش مأساة إنسانية بعد أن مُنعت عائلتها من مرافقتها إلى بريطانيا، رغم حصولها على منحة دراسية ممولة بالكامل من جامعة غلاسكو.
كانت منار قد تلقت في مايو الماضي تأكيدًا بنجاح طلبها للحصول على منحة من مؤسسة “مجلس الأكاديميين المعرّضين للخطر” (CARA)، وهي منحة تغطي تكاليف الدراسة والسكن والمعيشة لها ولعائلتها. تقول منار: “شعرتُ بسعادةٍ لا توصف حين وصلت رسالة القبول، فقد كانت خطوة نحو تحقيق حلمي الأكاديمي وخدمة مجتمعي بعد الحرب”.
لكن هذه الفرحة لم تدم طويلًا. فبعد تقديم طلبات التأشيرة لعائلتها، تلقت في الشهر الماضي رسالة من وزارة الخارجية البريطانية تُفيد بعدم السماح لعائلتها بالسفر معها، في خطوةٍ فاجأت المؤسسة المانحة والجامعة على حد سواء.
تضارب المواقف بين بريطانيا وإسرائيل
تأتي هذه الخطوة في إطار حملة الحكومة البريطانية لتقليص أعداد المهاجرين، إذ يُمنع معظم الطلاب الأجانب من إحضار عائلاتهم، باستثناء طلاب الدكتوراه بدوام كامل، مثل منار. إلا أن السلطات البريطانية برّرت الرفض بوجود “قيود على السفر من غزة”، مشيرة إلى أن مغادرة السكان تعتمد على الموافقات الإسرائيلية.
وفي مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية (BBC)، قال نائب رئيس الوزراء ديفيد لامي: “علينا أن ندرك أن الأمر يعتمد على تصاريح إسرائيلية لإخراج هؤلاء الأشخاص من غزة، وهذا ليس سهلًا”.
لكن الجانب الإسرائيلي نفى تلك الادعاءات، مؤكدًا عبر مكتب تنسيق أعمال الحكومة في المناطق (كوغاوت) أنه “لا توجد أي قيود على خروج السكان من غزة، وأن الأمر يعتمد فقط على الطلبات المقدمة من الدول المستقبلة”.
حياة مؤقتة تحت الخيام بدلًا من الحرم الجامعي
منار، التي كان من المفترض أن تبدأ دراستها هذا الخريف، تعيش اليوم في خيمة بمدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، بعد أن دُمّر منزلها في رفح جراء الغارات الجوية الإسرائيلية. تقول بأسى: “أكثر ما يؤلمني هو أن الحكومة البريطانية لم تبذل أي جهد لتقديم طلب نيابة عن عائلتي. لم أتوقع أن يتحول حلمي الأكاديمي إلى كابوس بهذا الشكل”.
يتمحور بحث الدكتوراه الذي تُجريه منار حول دور الإعلام والتعليم في مكافحة العنف ضد المرأة وتعزيز السلام، وهو مشروع تأمل من خلاله العودة إلى غزة بعد التخرج لتعليم النساء وتمكينهن من قيادة التغيير الاجتماعي.
دعم أكاديمي ورسمي لقضيتها
أشادت المشرفة الأكاديمية على منار في جامعة غلاسكو، البروفيسورة أليسون فيبس، بقدراتها الاستثنائية، قائلة: “إنها مرشحة مثالية للمنحة، ولا ينبغي لأي طالب أن يُجبر على الاختيار بين مستقبله الأكاديمي وأسرته، ولا سيما حين تكون المنحة مصممة أساسًا لتوفير هذا الحق”.
من جهته دعا مات فوستر، الرئيس التنفيذي لمؤسسة “كارا”، الحكومة البريطانية إلى التدخل العاجل، مؤكدًا أن المؤسسة “مستعدة لسداد جميع نفقات العائلة، وتنتظر فقط الضوء الأخضر من السلطات البريطانية للسماح بسفرهم”.
وفي هذا السياق قالت وزيرة التعليم الاسكتلندية جيني جيلروث: إنها طلبت عقد اجتماع عاجل مع وزيرة الخارجية البريطانية لمناقشة القضية، معتبرةً أن “ما يحدث يتعارض مع المبادئ الأكاديمية والإنسانية التي تتبناها الجامعات البريطانية”.
وفي ردها على الانتقادات، صرحت وزارة الخارجية والتنمية البريطانية بأنها “تعمل مع الجامعات لتسهيل خروج الطلاب المؤهلين من غزة واستكمال دراستهم في بريطانيا”، مشيرة إلى أن العملية “معقدة للغاية” لكنها حققت “بعض النجاحات الأولية”، مع توقع وصول دفعات إضافية من الطلاب في الأسابيع المقبلة.
هذا وترى منصة العرب في بريطانيا (AUK) أن قضية منار الحوبي تكشف التناقض العميق في سياسات الحكومة البريطانية بين الشعارات الداعية إلى دعم التعليم والحرية الأكاديمية، والإجراءات البيروقراطية التي تُقيّد أبسط الحقوق الإنسانية.
إن منع طالبة متفوقة من مرافقة أسرتها لا يُعد إخلالًا بمعايير العدالة الأكاديمية فحسب، بل يُعَد أيضًا انتقاصًا من صورة بريطانيا الداعمة للتعليم وحقوق الإنسان. وتؤكد المنصة أن دعم الطلاب القادمين من مناطق النزاع، ولا سيما من غزة، ليس مسألة إنسانية فحسب، بل التزام أخلاقي يعكس جوهر القيم التي يفترض أن تقوم عليها الجامعات البريطانية.
المصدر: الغارديان
اقرأ أيضًا:
الرابط المختصر هنا ⬇
13°C
