الهوية الرقمية البريطانية 2029: فوائد تقنية أم قيود على الحريات؟

أعلن رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر الأسبوع الماضي عن خطط لإطلاق نظام الهوية الرقمية الجديد، المعروف باسم “بطاقة بريت” (Brit Card)، والذي سيمنح المواطنين والمقيمين الشرعيين بطاقة هوية رقمية عبر الهواتف الذكية.

ومن المقرر أن يصبح النظام إلزامياً بحلول عام 2029 للتحقق من “الحق في العمل”، حيث تؤكد الحكومة أنه سيُسهّل الوصول إلى خدمات مثل رخص القيادة، ورعاية الأطفال، والرعاية الاجتماعية، والسجلات الضريبية، إلى جانب مكافحة العمل غير القانوني، الذي يُعتبر عاملاً رئيسياً في عبور القوارب الصغيرة إلى بريطانيا.

آلية النظام ومكوناته

تم تصميم النظام لتخزين بيانات الهوية بشكل آمن على الأجهزة الشخصية، على غرار تطبيق الـNHS أو أنظمة الدفع اللاتلامسية.
وسيتضمن:

• الاسم وتاريخ الميلاد
• الجنسية أو وضع الإقامة
• صورة شخصية للتحقق البيومتري

وأكدت الحكومة أنه لن تكون هناك حاجة لحمل البطاقة بشكل مادي، كما وعدت بإجراء مشاورات عامة تشمل الفئات التي تعاني ضعفاً في الوصول الرقمي مثل المشردين وكبار السن.

الفوائد المحتملة

تقول الحكومة إن الهوية الرقمية ستقلل البيروقراطية وتحمي من الاحتيال، إضافة إلى تسهيل التحقق لأصحاب العمل.
وقدمت تجارب دول أخرى نماذج مشجعة:

• في الدنمارك، يتمكن الطلاب من الحصول على مؤهلاتهم التعليمية والوظيفية تلقائياً.
• في إستونيا، يستطيع المواطنون الوصول بسهولة إلى السجلات الصحية ومخصصات الأطفال.
• في الهند، وفّر نظام مشابه ما يقارب 10 مليارات دولار سنوياً من خلال الحد من الاحتيال في المساعدات الاجتماعية.

كما يدرس مكتب البريد البريطاني توفير خدمات الهوية الرقمية عبر أكثر من 11,500 فرع لتسهيل وصول الفئات غير القادرة على التعامل الرقمي.

مواقف داعمة من قطاع الأعمال

يرى نيل بروكلهيرست، الرئيس التنفيذي لمكتب البريد، أن التطوير ضرورة لمواكبة احتياجات العملاء وزيادة إيرادات الفروع.

فيما أشادت جانين هيرت، الرئيسة التنفيذية لـ Innovate Finance، بإمكانات الابتكار وتبادل البيانات الآمن، مشددة على ضرورة أن يُصمَّم النظام بما يدعم السوق التنافسية بعيداً عن الاحتكار أو الحلول الحكومية المكلفة.

تصاعد المعارضة الشعبية

على الرغم من الفوائد المعلنة، يواجه المشروع معارضة متنامية، إذ وقع أكثر من مليوني شخص على عريضة ضد الهوية الرقمية الإلزامية خلال ثلاثة أيام فقط من الإعلان.

تتركز المخاوف حول:

• الخصوصية والمراقبة الشاملة
• التهديدات السيبرانية
• استهداف قاعدة البيانات الوطنية من قبل القراصنة

وحذّر البروفيسور آلان وودوارد من جامعة سري من أن النظام قد يصبح “هدفاً ضخماً للجريمة الإلكترونية”، بينما وصفت منظمات مدنية المشروع بأنه “مصيدة وطنية للقراصنة”.

مخاطر زحف الوظائف وعدم المساواة

حذرت جهات حقوقية من خطر “زحف الوظائف”، أي توسع استخدام الهوية الرقمية لتشمل مجالات أخرى مثل البنوك، الصحة، الإسكان أو حتى التصويت، مما قد يفتح الباب لمراقبة أوسع للمواطنين.

كما أشار خبراء إلى أن النظام قد يعمق الفجوات الاجتماعية، خاصة وأن ملايين الأشخاص يفتقرون للهواتف الذكية أو الإنترنت أو المهارات الرقمية، ما قد يؤدي إلى استبعاد الفئات الأكثر ضعفاً.

ردود الفعل السياسية والنقابية

تصر حكومة حزب العمال على أن النظام سيعزز الأمن ويوفر سهولة الوصول للخدمات، حيث وصفه ستارمر بأنه “فرصة هائلة للمملكة المتحدة”.

في المقابل، انتقدت زعيمة المحافظين كيمي بادينوك المشروع معتبرة أنه يمنح الدولة سلطات مفرطة على حياة المواطنين، فيما وصفه نايجل فاراج، زعيم حزب الإصلاح، بأنه “خطوة نحو المراقبة والسيطرة الرقمية”.

كما أعربت النقابات العمالية عن رفضها، محذرة من أن الهوية الرقمية “تنقل السلطة من العمال إلى السلطات المركزية، بما يضر بالخصوصية والاستقلالية وحقوق مكان العمل”.

وترى منصة العرب في بريطانيا (AUK) أن مشروع الهوية الرقمية قد يحمل فرصاً حقيقية لتبسيط الإجراءات الحكومية وتحسين الخدمات، لكنه يثير في الوقت ذاته مخاوف جدية تتعلق بالخصوصية والمساواة والرقابة المفرطة.

وتؤكد المنصة على أهمية أن يلتزم أي نظام جديد بضمانات صارمة لحماية الحقوق المدنية، مع توفير حلول عادلة للفئات الأقل قدرة على الوصول الرقمي.

إن نجاح هذا المشروع أو فشله لن يتوقف فقط على التكنولوجيا، بل على قدرة الحكومة على كسب ثقة المواطنين عبر الشفافية، وضمان أن تكون الهوية الرقمية أداة لخدمة الناس لا وسيلة للسيطرة عليهم.

المصدر: الغارديان 

إقرأ أيضًا:

• الهوية الرقمية في بريطانيا: مستقبل آمن لإدارة البيانات أم تهديد للخصوصية؟
• ستارمر يستعد لإطلاق مخطط الهوية الرقمية.. فما أثره على البريطانيين؟
• هوية بل وطن: دور التربية في مقاومة الاغتراب والتشتت