“المرة الرابعة لن تكون سحرًا”.. العفو الدولية تندد بمحاولة لندن تقييد حرية الاحتجاج
أعربت منظمة العفو الدولية عن استيائها الشديد من خطة الحكومة البريطانية الرامية إلى توسيع صلاحيات الشرطة لتقييد الاحتجاجات أو حظرها، ووصفت الخطوة بأنها “إعادة تدوير” لإجراءات سبق أن حُكم بعدم قانونيتها، معتبرة أن لندن تمضي مجددًا في طريق خطير نحو تقويض حق أساسي في حرية التعبير والتجمع السلمي.
تأتي هذه الانتقادات بعد إعلان الحكومة البريطانية يوم الأحد عن نيتها تعديل قانون النظام العام لعام 1986، بما يمنح الشرطة سلطات أوسع لتقييد المظاهرات من خلال السماح لها بأخذ “الأثر التراكمي” للاحتجاجات المتكررة في الاعتبار، بما في ذلك فرض شروط على المواكب العامة والتجمعات، أو حتى منعها بالكامل إذا تكررت في نفس المواقع وأثارت اضطرابات متواصلة.
وبررت وزيرة الداخلية البريطانية شابانا محمود الخطوة بقولها إن الاحتجاجات الكبيرة والمتكررة، لا سيما تلك المؤيدة لفلسطين، تسببت في “خوف كبير” داخل المجتمع اليهودي، حسب زعمها، مشيرة إلى أن الحكومة تسعى إلى تحقيق توازن بين الحق في الاحتجاج وحق المواطنين في الشعور بالأمان.
وقالت في بيانها: “الحرية في التظاهر حق أساسي في بلادنا، لكن يجب ألا تتحول إلى مصدر تهديد لجيراننا أو للمجتمعات الدينية التي تعيش حالة من الخوف”.
وأضافت أن التعديلات الجديدة ستتيح للشرطة اتخاذ إجراءات استباقية ضد التظاهرات التي تسبب اضطرابات متكررة في مناطق معينة، بما في ذلك نقل مواقع الفعاليات أو فرض قيود على عدد المشاركين، مؤكدة أنها ستوجّه رسالة إلى قادة الشرطة تشكرهم على استجابتهم “السريعة والمهنية” عقب الهجوم الذي وقع على كنيس يهودي في مانشستر الأسبوع الماضي، وتحثهم على استخدام “كامل الصلاحيات المتاحة” لمنع الاضطرابات العامة.
غير أن منظمات حقوق الإنسان، وعلى رأسها منظمة العفو الدولية، وصفت الإجراءات بأنها “محاولة جديدة لتقييد الحق في الاحتجاج السلمي تحت غطاء الحفاظ على النظام العام”.
وقال توم ساوثيردن، مدير قسم القانون وحقوق الإنسان في فرع المنظمة ببريطانيا، إن السلطات “الجديدة” التي أعلنتها وزيرة الداخلية ليست سوى نسخة مكررة من صلاحيات سبق أن حاولت الحكومة السابقة تمريرها عام 2023 بقيادة سويلا برافرمان، قبل أن تقضي المحكمة العليا في أيار/ مايو 2024 بعدم قانونيتها.
وأوضح ساوثيردن أن المحكمة حينها رأت أن تعريف “الاضطراب الجسيم” ليشمل “أكثر من اضطراب طفيف” يخالف النية الأصلية لقانون النظام العام الذي يضع معايير أعلى للتدخل في حرية التجمع.
وأضاف: “الحكومة تعيد طرح الفكرة ذاتها في ثوب جديد بعد ثلاث محاولات فاشلة خلال السنوات الثلاث الماضية، ويبدو أن المرة الرابعة لن تكون سحرًا”.
وأكد ساوثيردن أن هذه الخطوة لا علاقة لها بالاحتجاجات الأخيرة مثل تظاهرة “دافعوا عن هيئات المحلفين”، التي كانت سلمية وأقيمت في موقع جديد، معتبرًا أن الحكومة “تحاول الظهور بمظهر الحزم بينما هي في الواقع تقيّد أحد الحقوق الأساسية في الديمقراطية البريطانية”.
وتابع: “إذا كانت الحكومة ترى أن المواطنين لا ينبغي أن يحتجوا إلا عددًا محدودًا من المرات على قراراتها، فهذا اقتراح سخيف، وإن لم يكن كذلك، فالإعلان لا يعدو كونه محاولة سياسية لاستعراض القوة”.
وأضافت منظمة العفو أن الحكومة البريطانية سنّت خلال السنوات الثلاث الماضية ثلاثة قوانين تحدّ من حرية التظاهر، وتعمل حاليًا على تمرير قانون رابع، ما يكشف عن “توجه متصاعد نحو تقييد الحريات المدنية في البلاد”.
وردود الفعل السياسية لم تقتصر على المنظمات الحقوقية، إذ وصف زاك بولانسكي، زعيم حزب الخضر، المقترح بأنه “تجاوز خطير وكئيب” يعكس فقدان الحكومة “الموقف الأخلاقي”، خاصة أنها ما زالت “تبيع الأسلحة لإسرائيل بينما تضيق الخناق على المعارضين في الداخل”.
أما الزعيم السابق لحزب العمال، جيريمي كوربن، فقد ندد بالخطوة ووصفها بأنها “هجوم مخزٍ على حق الاحتجاج”، مؤكدًا أنه سيشارك في “أكبر مظاهرة تضامن مع فلسطين في تاريخ بريطانيا” المقررة في 11 تشرين الأول/ أكتوبر.
وكتب كوربن في منشور له: “الحكومة البريطانية متواطئة في الإبادة الجماعية، وكل من يدرك معنى هذه الكلمات يعرف تمامًا لماذا نواصل رفع أصواتنا”.
وتثير الخطوة الحكومية جدلاً واسعًا في الأوساط السياسية والحقوقية، إذ يرى منتقدوها أنها تمثل تهديدًا خطيرًا للحقوق المدنية في بريطانيا، بينما تصر الحكومة على أنها تسعى إلى تحقيق التوازن بين حرية التعبير وحق المواطنين في الأمن.
وبينما يتواصل الجدل حول حدود الحق في الاحتجاج، يبدو أن المواجهة المقبلة بين السلطة والشارع البريطاني ستكون أكثر حدة من أي وقت مضى.
المصدر: thenational
اقرأ أيضًا:
الرابط المختصر هنا ⬇
16°C
