كيف تخفي العائلة المالكة في بريطانيا ثرواتها عن الأعين؟

طُرح عدد من الأسئلة المتعلقة بثروة العائلة المالكة في بريطانيا من جديد على طاولة الصحافة البريطانية قبيل تتويج الملك تشارلز الثالث الشهر المُقبل؛ ترسيخًا لمبدأ الشفافية ومحاولة لتيسير وصول المواطنين للمعلومات المتعلقة بالأدوار العامة للعائلة المالكة.

تحت عنوان “تكلفة التاج” تقود صحيفة الغارديان سلسلة من التحقيقات تكشف فيها عن أسباب السرية الراسخة حول أموال وثروة العائلة المالكة.

أسرار العائلة المالكة في بريطانيا

كم من المال سيكلف تتويج الملك تشارلز الثالث؟ ما معدل الضريبة الذي سيدفعها الملك الجديد على دخله الخاص؟ كم عدد المناسبات التي حضرها أفراد العائلة المالكة العاملون على مدار السنوات الخمس الماضية؟ كم كانت تكلفتها؟ كم تدفع الأميرتان بياتريس وأوجيني مقابل الإقامة في القصور الملكية؟

خلال الأسابيع الماضية، طرحت صحيفة الغارديان كل هذه الأسئلة على قصر باكنغهام، وتلخصت الردود في “اسأل شخصًا آخر”، و”يمكنك الإجابة بنفسك”، و”ليس لديك الحق في المعرفة”.

يُحظَر الكشف عن المراسلات مع الملك أو الوريث، ويُحظَر كذلك الانتقاد البرلماني لسلوك أفراد العائلة المالكة، تخضع وصايا حتى أفراد الأسرة للرقابة بموجب مرسوم قضائي، يحرس أفراد العائلة المالكة عن كثب أسرار ثروتهم المالية، ويصرون على أنها خاصة، على الرغم من أنها نِتاج أدوارهم العامة الملكية.

خلال السنوات الثلاث الماضية، كشفت الأوراق الرسمية التي نشرتها صحيفة الغارديان كيف استغلت الملكة ومستشاروها سلطة التاج لتغيير القوانين البريطانية سرًا، بما في ذلك، خلال عام 1973، كجزء من محاولة ناجحة لإخفاء ثروتها الخاصة عن المواطنين البريطانيين.

حرية تداول المعلومات

أعلنت صحيفة الغارديان أنه خلال الأيام والأسابيع المقبلة، ستكشف عن معلومات تصب في المصلحة العامة حول الثروات التي جمعها أفراد العائلة المالكة بسرية بفضل وظائفهم العامة، كما ستوضح الصحيفة أيضًا التحدي الهائل المتمثل في الحصول على إجابات لأبسط الأسئلة.

وطرحت الصحيفة عدة أسئلة حول مقدار الأموال العامة التي تنفق على أمن العائلة المالكة، ولم تتلقَ أي إجابة، حيث تزعم الحكومة أن الكشف حتى عن رقم واحد فقط للعائلة بأكملها، دون أي تفاصيل أخرى على الإطلاق، سيشكل تهديدًا لسلامتهم.

لم توضح الحكومة ماهية الخطر الذي يمكن أن يحيط بالعائلة المالكة عند الكشف عن مقدار الأموال التي تُنفق على أمنهم، في الوقت الذي يعلن فيه رؤساء كبرى الدول -مثل الرئيسين الأمريكي والفرنسي- تفاصيل تكاليف حمايتهم وأمنهم.

وبدلًا من ذلك، رُفض طلب حرية تداول المعلومات للكشف عن التكاليف الأمنية للعائلة المالكة البريطانية، أولًا من قبل وزارة الداخلية، ثم عند الاستئناف، رُفض مرة أخرى من قبل مكتب مفوض المعلومات، ما أجبر صحيفة الغارديان على توجيه المحامين الشهر الماضي لتقديم استئناف آخر في محكمة المعلومات. لذا إن القول إن الأمر سيستغرق شهورًا للحصول على إجابة سيكون متفائلًا.

استغرق الأمر من الصحفي روب إيفانز 10 سنوات تضمنت رحلة إلى المحكمة العليا للكشف بموجب قانون حرية تداول المعلومات عن مذكرات “العنكبوت الأسود” للأمير تشارلز، أنفقت الحكومة خلالها أكثر من 400 ألف جنيه إسترليني على التكاليف القانونية في محاولة فاشلة في نهاية المطاف للحفاظ على سرية المذكرات.

سرية الأموال الملكية

في العام السابق، اعترفت الملكة الراحلة إليزابيث الثانية في خطاب ألقته أمام مدينة لندن بأنه لا ينبغي لأي مؤسسة ملكية أن تتوقع أن تكون بعيدة عن تدقيق أولئك الذين يعطونها ولاءهم.

كان النظام السابق لتمويل العائلة المالكة يُسمّى “القائمة المدنية”، والموجود منذ القرن الثامن عشر، وهو عبارة عن تخصيص ميزانية خاصة بمصروفات القصر كأمر تقتضيه الخدمات العامة للدولة نظرًا للمهام التي يقوم بها الملك والطريقة التي تليق بمقام الملوك ورؤساء الدول، علمًا أنه لا علاقة لهذه الميزانية بالمال الخاص للملك.

وعلى الرغم من كل عيوب هذا النظام والانتقادات التي وُجهت له، إلا أنه قد زود البرلمان بتفاصيل عن مقدار الأموال التي يصرفها فرد من أفراد الأسرة، وأعطى الممثلين المنتخبين للشعب البريطاني فرصة منتظمة لمناقشة مقدار أموال دافعي الضرائب التي يجب تسليمها إلى الملك.

تغير هذا النظام حينما قدمت حكومة ديفيد كاميرون في عام 2011 تسوية تمويل على المنحة السيادية التي تغطي النفقات الرسمية للملكة ومصروفات أفراد العائلة المالكة، وبلغ في آخر تقدير 86 مليون جنيه إسترليني.

وتقدم هذه الأموال من الحكومة إلى الملكة بناءً على أرباح شركة “كروان” العقارية، وهي مجموعة ضخمة من الأراضي والممتلكات والأصول في المملكة المتحدة التي تعود ملكيتها إلى الملك البريطاني، وبلغ صافي أرباحها عام 2020 نحو 475 مليون دولار.

دفعت الغارديان في إطار ذلك بسؤال حول الوظائف العامة التي أنجزها أفراد العائلة المالكة مقابل كل هذه الأموال، إلا أنها لم تلق أي إجابات واضحة من القصر الذي وجه الصحفيين إلى السجلات الرسمية المنشورة التي تحتوي على مبالغ إجمالية لا تفصل المهام التي قام بها أفراد العائلة المالكة في السنوات الأخيرة.

ولحل هذا اللغز، قاد صحفيو الغارديان سيارتهم إلى قرية داتشيت (Datchet) في بيركشاير (Berkshire)، للوصول إلى تيم أودونوفان منزل أحد وكلاء التأمين المتقاعدين، الذي أمضى السنوات الـ 44 الماضية في تجميع سجلاته الورقية الخاصة بمهام العائلة المالكة.

شارك أودونوفان الوثائق مع الغارديان التي كلفت فريقًا من مهندسي البرمجيات ببناء برنامج للتعلم الآلي لقراءة أكبر عدد ممكن من المنشورات الرقمية وتحليلها في محاولة للعثور على إجابات.

وخلال الأسابيع المقبلة، ستطرح الغارديان عبر سلسلة “تكلفة التاج” أسئلة صعبة على الملك الجديد، حول الإثراء الشخصي لعائلته، ومدى استفادتهم من أدوارهم العامة، لتبين ما إذا كان المواطنون يحصلون على قيمة مقابل المبالغ القياسية التي يقدمها كل عام لتمويل العائلة المالكة وأسلوب حياتهم الفخم.

المصدر: The Guardian

اقرأ أيضًا:

الأمير هاري ينفي اتهام العائلة المالكة في بريطانيا بالعنصرية

كيف تحتفل العائلة المالكة في بريطانيا بعيد الميلاد دون الملكة إليزابيث؟

تعرف إلى حجم الأموال التي تضيفها العائلة المالكة في بريطانيا للاقتصاد