ماذا تفعل العائلات المسلمة في الكريسماس؟

عدنان حميدان December 6, 2024

مع اقتراب موسم الكريسماس، يتجدّد في البيوت العربية والمسلمة، وكذلك بين المسيحيين المتدينين، نقاش دائم بشأن طبيعة هذا الاحتفال. أهو تقليد ذو جذور دينية أصيلة يعبّر عن قيم روحية وإنسانية؟ أم أنه ظاهرة مستحدثة تحرّكها عجلة الرأسمالية وتستغلّها الأسواق ويحرّكها التجار؟

وبينما يرى بعض الناس في شجرة الكريسماس والهدايا رموزًا للدفء العائلي وروح المحبّة، يرى آخرون أن هذه المظاهر لا تعبّر عن جوهر الدين، سواء في الإسلام أو المسيحية، وتُعدّ امتدادًا لثقافة استهلاكية غزت المجتمعات في مراحلها الأخيرة.

بالنسبة للعائلات المسلمة، تثير هذه المناسبة عقبات خاصة، إذ تتطلّب الموازنة بين الحفاظ على الهُوية الدينية وبين احترام تقاليد الآخرين وعدم استفزازهم، بما ينطوي عليه ذلك من ضرب لمفهوم التعايش في بلد يعجّ بالأديان والمعتقدات والهُويّات. هنا يجد الآباء فرصة ذهبية لفتح نقاش هادف مع أبنائهم بشأن معاني هذه المناسبة، منبّهين إلى القيم الإسلامية التي تدعو إلى التفاعل مع الآخرين ضمن حدود العقيدة.

فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: “لكل قوم عيد، وهذا عيدنا” (صحيح البخاري)، مؤكّدًا خصوصية أعياد المسلمين، مثل عيد الفطر وعيد الأضحى، التي تحمل معاني دينية واضحة، بجانب حقيقة أنها مواسم للفرح.

ماذا تعني عبارة “ميري كريسماس”؟

يتردّد دائمًا بين بعض الناس ممن يعارضون تهنئة غير المسلمين بأعيادهم، أن عبارة “ميري كريسماس” تنطوي على مخالفة عقدية لأنها تعني أن المسيح ابن الله، لكن هذا الفهم لا يبدو دقيقًا؛ لأن الكلمة في أصلها اللاتيني والإنجليزي تعني ببساطة “عيد ميلاد مجيد”، وهي عبارة تهنئة تعبّر عن تمنّي السعادة والفرح في هذا الموسم.

قول المسلم “ميري كريسماس” لجاره أو زميله في الدراسة أو العمل، لا يعني بأي حال إقرارًا بعقيدة تتعارض مع الإسلام، بل هو تعبير عن حسن الجوار وإظهار الاحترام، لا سيما أن الإسلام دين يدعو إلى التعايش والتسامح، ولا يجد إشكالًا في تهنئة غير المسلمين بأعيادهم ما دامت هذه التهاني لا تتضمن مشاركتهم في طقوسهم الدينية أو ما يخالف العقيدة. ولنتخيّل أن مسلمًا له زوجة أو والدة مسيحية، وهذا ممكن بلا ريب، فهل سيمتنع عن تهنئتها بالعيد الذي تحتفل به؟!

والخلاصة التي يجب التنبيه إليها هي أن الهدف من التهاني ليس الدخول في تفاصيل العقائد، وإنما تعزيز أواصر المحبّة بين أفراد المجتمع المتنوّع، وهو ما يدعو إليه الإسلام في إطار القيم الإنسانية الجامعة.

بين الاحترام والهُوية

هنا ينبغي القول إن من الضروري أن يُعلّم الآباء أبناءهم أن احترام الآخرين لا يعني الانخراط في طقوسهم، أو مجاراتهم في عاداتهم، بل يمكن الاكتفاء بتقديم التهاني بأسلوب مهذّب يُبرِز حسن الجوار، مثل قول: “نتمنى لكم عيدًا سعيدًا”. وفي الوقت ذاته، يمكن استثمار هذه المناسبات لتعزيز فهم الأطفال لهُويّتهم الإسلامية، وإظهار أن التمسك بالدين لا يتعارض مع التسامح، بل يعكس القيم النبيلة التي يدعو إليها الإسلام.

أبعاد إنسانية تتجاوز الاحتفالات

في السياق ذاته، لا يمكن إغفال معاناة مسيحيي غزة ولبنان وغيرهم ممن حالت ظروف الحرب والعدوان دون احتفالهم بأعيادهم. ذلك أن تعليم الأطفال التعاطف مع هؤلاء الضحايا بصرف النظر عن دينهم يعمّق القيم الإنسانية في نفوسهم. وقد مدح نبينا عليه الصلاة والسلام “حلف الفضول” الذي كان في الجاهلية، وقال: إنه لو دُعي إليه في الإسلام لأجاب، ومضمونه نُصرة المظلوم، والنصرة هنا تشمل الدعاء، والعمل على إيصال صوت المظلومين، ودعمهم بكل السبل المتاحة.

التوازن بين الاندماج والحفاظ على الهُوية

العيش مسلمًا في بلاد يغلب عليها التنوع الديني والثقافي، وبخاصة في المجتمعات الغربية، يمثل معادلة حساسة بين الحفاظ على الهُوية والاندماج الإيجابي. وتشرح ذلك الكاتبة رواء مصطفى، المقيمة في ألمانيا، بالقول:
“لا يمكنك الاكتفاء بأحد الجانبين فقط. عليك أن تحافظ على عقيدتك وهُويتك المسلمة، وفي الوقت نفسه، تسعى للاندماج بطريقة تجعل حياتك وحياة أبنائك في المجتمع متوازنة وغير غريبة”.

وتضيف: “التعايش بين ثقافات وأديان مختلفة ليس بالأمر السهل، لكنه يستحق الجهد. يمكنك أن تضيف إلى ثقافتك أو تنقص منها ما يجعلك شخصًا أفضل، شريطة أن تبقى تحت مظلة دينك وعقيدتك”.

ختامًا

إن غرس قيم المحبة والتعاطف في نفوس الأطفال، مع التنبيه إلى أنها جزء أصيل من السلوك الإسلامي، يعزّز من قدرتهم على التفاعل مع مجتمعهم المتنوع بثقة وتوازن. فالقيم الإنسانية لا تقتصر على تقليد أو مناسبة، بل هي جوهر سلوك المسلم في حياته اليومية، ما يجعل أبناءنا أكثر تسامحًا وفخرًا بدينهم وهُويتهم في آن واحد، في الوقت ذاته الذي يجعلهم “رساليّين” يقدّمون دينهم للآخرين على نحو رائع يليق به ويحملهم على احترامه والاقتراب منه، وربما اعتناقه في بعض الأحيان.

اقرأ أيضًا: