تباطؤ نمو سوق العمل في بريطانيا يقلق الطلبة الدوليين

بين حلم الدراسة في جامعات مرموقة، وأمل البقاء بعد التخرج لصناعة مستقبل مهني عالمي، يُفاجَأ آلاف الطلبة الدوليين في بريطانيا اليوم بواقعٍ اقتصادي أكثر تعقيدًا مما توقّعوه. فمع تزايد معدلات البطالة، وارتفاع كلفة التوظيف، وتقلّص فرص العمل، تتبدّد أحلام كثيرة على أعتاب مكاتب الهجرة… وخلف أبواب الشركات المغلقة.
ارتفاع البطالة وتراجع التوظيف:

كشف مكتب الإحصاءات الوطنية (ONS) أن معدل البطالة في بريطانيا ارتفع إلى 4.6% خلال الفترة الممتدة من فبراير إلى أبريل 2025، وهي النسبة الأعلى منذ منتصف عام 2021. وفي شهر مايو وحده، فُقد أكثر من 109 آلاف وظيفة مُسجَّلة في جداول الرواتب، في أكبر انخفاض شهري خلال خمس سنوات.
وتُظهر البيانات استمرار تراجع عدد الوظائف الشاغرة للربع الخامس والثلاثين على التوالي، مع انخفاض قدره 63 ألف وظيفة، ليصل عدد الفرص المتاحة إلى 736 ألف وظيفة فقط في عموم البلاد.
يشكّل هذا المناخ الاقتصادي تحديًا حادًا للطلبة الدوليين الذين ينوون البقاء في بريطانيا بعد التخرج. فـ”مسار الخريج” (Graduate Route Visa) الذي يمنحهم عامين للبحث عن عمل، أصبح أقل فاعلية في ظل ندرة الفرص، والقيود المتزايدة على التأشيرات. ومع تصاعد المنافسة، أصبحت إجراءات الحصول على تأشيرة “العمالة الماهرة” أكثر تعقيدًا، ما يُهدد بقطع الطريق على مئات الخريجين الطامحين إلى الاستقرار المهني في المملكة المتحدة.
منذ أبريل 2025، ارتفعت مساهمات أرباب العمل في التأمين الوطني إلى 15% على الرواتب التي تفوق 5000 باوند، مقارنة بنسبة 13.8% سابقًا على الأجور التي تتجاوز 9100 باوند سنويًا. إلى جانب ذلك، زادت الحكومة الحد الأدنى للأجور، ما أدى إلى تضخم كلفة التوظيف. ونتيجة لذلك، بدأت الشركات تقلّص من عمليات التوظيف، بل وأعادت النظر في تعهّداتها السابقة بدعم توظيف الطلبة الأجانب، تحت ضغط التكاليف المتزايدة.
قطاعات مرموقة… وفرص تتضاءل

الخريجون الطامحون للعمل في مجالات مثل التمويل، التكنولوجيا، أو الإعلام، باتوا يواجهون صعوبات متزايدة في الوصول إلى وظائف ذات جودة عالية. وتشير بيانات ONS إلى تباطؤ في نمو الأجور (دون احتساب المكافآت) ليصل إلى 5.2% فقط، وهو أبطأ معدل منذ سبعة أشهر، ما يعني أن الرواتب الابتدائية قد لا تكفي لتغطية تكاليف المعيشة المرتفعة، خصوصًا في مدن كبرى مثل لندن.
في ظل هذا الانكماش، يلجأ بعض الخريجين لقبول وظائف أقل من مؤهلاتهم، فقط من أجل الحفاظ على إقامتهم القانونية في البلاد. في حين يبقى آخرون عالقين في حالة من عدم اليقين، مع شعور متزايد بأن خططهم المهنية قد تتأخر أو تنهار، خاصة إذا استمر التباطؤ في التوظيف.
مؤشرات أمل محدودة:

ورغم أن معدّل التضخم انخفض إلى 3.4%، ما قد يُمهّد الطريق أمام البنك المركزي البريطاني لخفض أسعار الفائدة، إلا أن سلوك أرباب العمل لا يزال يتّسم بالحذر. وبدأت بعض الجامعات توجّه الطلبة الدوليين نحو استكشاف قطاعات بديلة، والعمل على تطوير مهاراتهم التقنية واللغوية، والتفاعل المبكر مع سوق العمل عبر التدريب المهني والتواصل مع المؤسسات.
خاتمة – موقف منصة “العرب في بريطانيا”
في ظل هذه المعطيات المقلقة، تدعو منصة العرب في بريطانيا (AUK) إلى إعادة النظر في السياسات الحكومية التي تضاعف الأعباء على الطلبة الدوليين، وتزيد من هشاشتهم القانونية والاقتصادية بعد التخرج. كما تُشدد المنصة على أهمية دعم هذه الشريحة من الشباب الذين يساهمون فعليًا في الاقتصاد البريطاني، ويمثّلون جسورًا للتبادل العلمي والثقافي.
وفي الوقت ذاته، تحثّ الطلبة على التسلّح بالمرونة، والتخطيط المبكر، وتوسيع خياراتهم المهنية، في ظل واقع لم يعد يكافئ الانتظار… بل المبادرة.
المصدر ذا ايكونومي تايمز
إقرأ أيّضا
الرابط المختصر هنا ⬇