هل المنازل في بريطانيا جاهزة لموجات الحر المتصاعدة؟

مع تسارع وتيرة تغير المناخ، تبدو بريطانيا على أعتاب صيف مختلف، ليس أقرب إلى مشهد شرفة على الطراز الإسباني بقدر ما هو منازل خانقة، نوم صعب، وجفاف وفيضانات تربك البنية التحتية. خبراء المناخ يحذرون من أن البلاد تواجه “قسوة مناخية” مع تزايد موجات الحر، بينما تبقى مساكنها غير مهيأة لمواجهة هذا الخطر الآخذ في التفاقم.
منازل مصممة للبرد لا للحر

تاريخيًا، انصب تركيز لوائح البناء البريطانية على الحفاظ على الدفء في الشتاء وخفض فواتير الطاقة، مع إهمال جانب التهوية والتبريد. تشير تقديرات مكتب الأرصاد إلى أن درجات الحرارة داخل المنازل قد تصل إلى 28 درجة مئوية في لندن وجنوب شرق البلاد خلال العقود المقبلة، حتى في أوقات غياب أشعة الشمس المباشرة. ورغم تحذيرات متكررة من لجنة تغير المناخ – المستشار القانوني للحكومة – لم تبذل جهود كافية لتكييف المساكن والبنية التحتية مع الظروف المناخية الحارة.
يرى المجلس البريطاني للبناء الأخضر أن الحل يبدأ بتصميم منازل بفتحات تهوية مدروسة، نوافذ وظلال خارجية، ودهانات عاكسة للشمس، إلى جانب تقنيات توفير المياه وإعادة استخدامها لمواجهة فترات الجفاف. كما يدعو لتطبيق مبدأ “3:30:300”: رؤية ثلاثة أشجار من المنزل، وجود غطاء شجري بنسبة 30% في الحي، والعيش على بعد 300 متر فقط من مساحة خضراء متنوعة بيئيًا.
معايير بناء مؤجلة وحلول مثيرة للجدل

بعد تأجيلات متكررة منذ أول محاولة في 2008، يُتوقع نشر “معيار المنازل المستقبلية” في خريف هذا العام ليبدأ تطبيقه عام 2027. لكن خبراء يحذرون من أن المسودة الحالية لا تعالج خطر ارتفاع درجات الحرارة بالشكل الكافي. وفي حين يشير بعض المطورين العقاريين إلى أن العزل الحراري الجيد يساهم في الحد من الحرارة صيفًا كما يحافظ على الدفء شتاءً، تبقى هناك دعوات لخيارات إضافية مثل مضخات الحرارة “هواء-هواء” التي يمكنها التبريد والتدفئة. إلا أن هذا الطرح يثير مخاوف بيئية نظرًا لاستهلاك أنظمة التبريد للكهرباء بكثافة، ما قد يقوّض أهداف الحياد الكربوني.
التحدي الأكبر: المساكن القائمة

حتى لو تحقق هدف الحكومة ببناء 1.5 مليون منزل جديد خلال هذه الدورة البرلمانية، ستظل غالبية المساكن بريطانية قديمة الطراز، وهي الأصعب في التكييف مع موجات الحر. اللوائح التي تحكم الحماية من ارتفاع درجات الحرارة – والمعروفة بـ”الجزء O” – دخلت حيز التنفيذ في يونيو 2022 وتطبق فقط على المساكن الجديدة، بينما تدرس الحكومة توسيعها لتشمل تغييرات الاستخدام، مثل تحويل المكاتب إلى شقق. لكن لا توجد خطط جادة لإعادة تأهيل المساكن القائمة لمواجهة الحر، ما يعني أن الكثير من الأسر، خصوصًا في المساكن المستأجرة، ستضطر للاعتماد على حلول فردية كالمصدات والستائر العاكسة قبل التفكير في أنظمة التكييف.
إن موجات الحر لم تعد استثناءً صيفيًا، بل أصبحت تحديًا بنيويًا يتطلب إعادة نظر جذرية في تخطيط المدن ومعايير البناء. إن ترك الأسر، وخاصة الفئات الأقل دخلًا، في مواجهة منازل غير صالحة للعيش في ظل الحرارة المتصاعدة هو إهمال لا يمكن تبريره. ترى منصة “العرب في بريطانيا” أن التعامل الجاد مع أزمة السكن الحار هو جزء لا يتجزأ من العدالة المناخية، وأن الاستثمار في البنية التحتية الخضراء والتصميم المستدام لم يعد خيارًا، بل ضرورة عاجلة لحماية الأرواح وضمان مستقبل قابل للعيش.
المصدر: الغارديان
إقرأ أيّضا
غزة تودّع أنس الشريف.. الصحفي الذي تحدّى الاحتلال حتى اللحظة الأخيرة
بريطانيا على موعد مع موجة حر جديدة.. ما أكثر المناطق تأثرًا؟
الرابط المختصر هنا ⬇