د. حسين حلبي يتحدث عن التضخم في بريطانيا وفرص تراجع معدله
تشير الإحصائيات في المملكة المتحدة إلى أن تكاليف المعيشة قد ارتفعت بشكل حاد مؤخرًا، حيث وصل معدل التضخم في بريطانيا إلى أعلى مستوى له منذ 41 عامًا عند 11.1 في المئة في أكتوبر 2022، ليتراجع إلى 10.4 في المئة في فبراير 2023، لكنه يبقى أعلى مما هو عليه في الاقتصادات المماثلة.
والسبب الرئيس لهذا الارتفاع هو ارتفاع تكاليف السلع الاستهلاكية والغذاء والطاقة في فترة ما بعد كورونا، والخروج من الاتحاد الأوروبي والحرب الأوكرانية.
كيف يُحسب معدل التضخم في بريطانيا؟
يشير معدل التضخم إلى النسبة المئوية للتغير في أسعار المستهلك على مدار عام كامل. على سبيل المثال: تُقارَن البيانات الحالية للأسعار في إبريل 2023 بتلك الموجودة في إبريل 2022 وتحسب نسبة الزيادة. ويعمل الاقتصاديون في مكتب الإحصاءات الوطني (ONS) في المملكة المتحدة على حساب التغير في أسعار المنتجات والخدمات المشتراة بانتظام، والمعروفة باسم سلة السلع والخدمات مقارنة بنفس الوقت من العام السابق؛ للحصول على معدل التضخم.
في فبراير 2023، حُسِب مؤشر أسعار المستهلك (CPI) لمعدل التضخم باختيار نحو 180 ألف منتج وخدمة بناءً على ما يشتريه الناس بانتظام. ومن خلال قياس تغير سعر سلة السلع والخدمات هذه، نحصل على رقم لمؤشر أسعار المستهلك، وهو مقياس التضخم الأكثر استخدامًا.
يتوقع الاقتصاديون أن يتراجع التضخم في المملكة المتحدة إلى نحو 4 في المئة بحلول نهاية عام 2023، لكن هذا لا يعني بالضرورة أن الأسعار ستعود إلى سابق عهدها في فترة ما قبل التضخم؛ فأسعار ما قبل التضخم لن تدخل في حساب معدل التضخم الحالي، والأرقام كلها ستكون من فترة ما بعد الزيادة الكبيرة في الأسعار. يضاف إلى ذلك لجوء الشركات إلى رفع الأسعار لتغطية زيادة التكاليف، ويشمل ذلك زيادة الأجور بعد موجة الإضرابات التي ضربت الاقتصاد البريطاني في الآونة الأخيرة.
ما دور البنوك المركزية في السيطرة على التضخم؟
في العادة ترفع البنوك المركزية في فترات التضخم أسعار الفائدة؛ لتخفيف الإنفاق بما يُسهم في تراجع التضخم، حيث إن زيادة تكاليف الاقتراض تؤثر سلبًا في الأنشطة الاقتصادية وتدفع الأفراد للادخار. وفي فترة ما بعد كورونا، رفعت البنوك المركزية في مختلف أنحاء العالم معدلات الفائدة تدريجيًّا، مثل بنك إنجلترا، حيث وصل معدل الفائدة الأساسي لبنك إنجلترا إلى 4.25 في المئة حاليًّا بعد أن كان 0.75 في المئة في الفترة ما قبل كورونا. يُذكَر أن الزيادات في أسعار الفائدة لها حد معين تفقد بعده أثرها في ضبط التضخم، بل قد تسبب ضررًا أكبر للاقتصاد؛ فاستمرار رفع سعر الفائدة له أثر على أقساط الرهن العقاري وصناديق المعاشات التقاعدية والاستثمار.
ما أثر العوامل الأخرى على التضخم؟
من العوامل الأخرى التي يمكن أن تُسهِم في تراجع التضخم فعليًّا هو تحسن سلاسل التوريد عالميًّا، وتراجع أسعار الجملة للغاز في الأسواق العالمية، مع أن هذه العوامل تستغرق وقتًا حتى تؤثر في فواتير المنازل والشركات.
وبهذا الصدد يرى بعض الاقتصاديين أن ربط التضخم العالمي الحالي بوباء كورونا والعوامل الجيوسياسية كالحرب الأوكرانية فقط غير دقيق. كما يرون أن الاقتصاد العالمي قد دخل مرحلة من التضخم نتيجة لعدة عوامل، أهمها تراجع العولمة الاقتصادية. فالولايات المتحدة -على سبيل المثال- تبنت سياسة منذ عهد الرئيس ترامب تقوم على تقليل الاعتماد على المنتجات الصينية، وكذلك تراجعت المبادلات التجارية بين الغرب وروسيا، وقد ترافق ذلك مع توجه العديد من الحكومات لتبني سياسات تحمي المنتجات المحلية الصنع.
السيولة الكبيرة في الأسواق العالمية تمثل عاملًا آخر أسهم في التضخم العالمي. ففي أعقاب الأزمة المالية العالمية لعام 2008، ضخّت البنوك المركزية مزيدًا من الأموال في الاقتصادات الكبرى من خلال عملية معقدة تسمى التيسير الكمي (QE)، لدعم القطاع المصرفي ومساعدة الأسر والشركات من خلال أسعار الفائدة المنخفضة. تشكل سيولة التيسير الكمي حاليًّا 40 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة. هذه السيولة المرتفعة أسهمت بزيادة أسعار الأسهم والعقارات وكذلك الأصول الرقمية.
رفع الأجور بعد إضراب العمال في مختلف القطاعات في عدد من الدول كبريطانيا وفرنسا يُسهِم أيضًا في زيادة التضخم؛ فالدخل الأعلى يترافق مع إنفاق أعلى، ما يعزز التضخم. من العوامل الأخرى التي يجب ذكرها هي التغيرات المناخية التي تؤثر على توفر المواد الغذائية وأسعارها عالميًّا، فاضطرابات سلاسل التوريد ترتبط بآثار الكوارث المناخية. وتترتب على هذه الكوارث تكاليف إضافية، ففي الولايات المتحدة -على سبيل المثال- كلفت الكوارث المرتبطة بالمناخ الاقتصاد الأمريكي أكثر من 145 مليار دولار في عام 2021، ويمكن أن تكلف الولايات المتحدة 10 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2050، في حين ترتفع هذه النسبة إلى 18 في المئة عالميًّا.
إضافة إلى العوامل المذكورة آنفًا، تواجه المملكة المتحدة صعوبة أخرى تتمثل بنقص العمالة والمهارات بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي، ما يؤثر على النمو الاقتصادي في البلاد، ويعرقل خطط الحكومة لزيادة الإنتاج وتخفيض التضخم مع عدم توفر أي حل سحري عاجل لمشكلة التضخم!
د. حسين حلبي، محاضر في جامعة كارديف
اقرأ أيضًا:
ازدياد مفاجئ في معدل التضخم في بريطانيا إلى 10.4٪ بعد فترة تعافٍ
مخاوف من ارتفاع الأسعار مع وصول التضخم في بريطانيا لأعلى مستوى منذ 10 سنوات
الرابط المختصر هنا ⬇