ما الدول التي قد تنفصل عن التاج البريطاني بعد وفاة الملكة إليزابيث ؟
رحلت الملكة إليزابيث الثانية ملكة بريطانيا عن عمر ناهز 96 عامًا، تاركة وراءها تاريخًا حافلًا بالأحداث خلال الفترة الطويلة التي تربَّعت فيها على عرش البلاد.
وبعد رحيل إليزابيث بدأت علامات استفهام تفرض نفسها حول مستقبل بريطانيا، وخصوصًا أن إليزابيث لطالما اعتُبِرت بمثابة «رمانة الميزان» للحياة السياسية في البلاد على مدار سنوات طويلة.
هل ينفرط عقد كومنولث التاج البريطاني بعد وفاة الملكة إليزابيث ؟
عملت إليزابيث الثانية على مدار فترة حكمها الطويلة رئيسة لمملكة تتكون من 32 دولة معظمها مستعمرات. وبينما يتولى الملك تشارلز الثالث المسؤولية بعد والدته، قد يكون هذا التفاعل المحدود بالنسبة إلى عدة دول من أصل 15 دولة متبقية أكثر من اللازم.
إذ يرى الكثيرون في الحفاظ على الروابط مع ملك بريطانيا مفارقة تاريخية استعمارية. وقد صرَّحت ميا موتلي رئيسة وزراء بربادوس في سبتمبر 2020: “لقد حان الوقت لترك ماضينا الاستعماري وراءنا بالكامل”.
وقالت جاسيندا أرديرن رئيسة وزراء نيوزيلندا: إني أتوقع أن تصبح بلادي جمهورية “خلال حياتي”. قبل باربادوس كانت موريشيوس آخر دولة قطعت علاقاتها مع النظام الملكي البريطاني في عام 1992. وتوفر وفاة الملكة فرصة للآخرين لتحقيق الانفصال بطريقة دبلوماسية حسنة الذوق.
أستراليا حالة مثيرة للاهتمام بصفة خاصة؛ فلطالما بدا النفوذ النظري للعاهل البريطاني على شؤونها الوطنية بأنه قد عفا عليه الزمن. ففي عام 1975 أدى الجمود بين مجلس النواب ومجلس الشيوخ إلى أزمة وطنية. وللتخفيف من وطأة هذه الأزمة أقال السير جون كير الحاكم العام أو ممثل الملكة لأستراليا حكومة حزب العمال شخصيًّا. وفي عام 1977 اضطر السير جون إلى الاستقالة بعد أن عانى من الاحتجاجات والنقد مدة عامين.
ويظل عمله إحدى أكثر اللحظات إثارة للجدل والمتنازع عليها في التاريخ الأسترالي. وقد قال السير جون: إنه أبلغ قصر باكنغهام بقراره بعد اتخاذه. ولكن في عام 2020 سرَّبت المؤرخة الأسترالية جيني هوكينغ أوراقًا من القصر تُظهِر أن السكرتير الخاص للملكة مارتن تشارترس أخبر السير جون سلفًا بأن لديه سلطة إقالة الحكومة، وأظهرت أوراق أخرى أن الأمير تشارلز قد كتب إلى السير جون بعد الإقالة قائلًا: “ما فعلته العام الماضي كان صائبًا وشجاعًا”.
تسبب إظهار الأوراق في حدوث عاصفة، ولا بد من التذكير بأن النظام الملكي البريطاني -حتى وقت قريب على الأقل- كان له تأثير كبير في السياسة الأسترالية إذ أعاد تنشيط الجمهورية في البلاد. ومع كون تشارلز الآن ملكًا لأستراليا سيتساءل كثير من مواطنيها: هل هذه هي اللحظة المناسبة للتخلي عن النظام الملكي؟
في هذا السياق وجد استطلاع للرأي أن نحو ثلث الأستراليين سيدعمون الجمهورية، وقد انخفض عدد الأستراليين الذين تربطهم ببريطانيا اليوم ارتباطات أقل مما كانت عليه في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، عندما كانت لا تزال المصدر الأساسي للمهاجرين الجدد، كما أن هناك حالة إدراك شديدة حول الفظائع التي ألحقها الاستعمار البريطاني بالسكان الأصليين الأستراليين. وبهذا الصدد تقول السيدة هوكينغ، وهي ناشطة ومؤرخة: إن استبدال النظام الملكي سيكون “نقطة النهاية الواضحة لتسويتنا وضع ما بعد الاستعمار” مع بريطانيا.
لكن الكلام أسهل من الفعل؛ فلن يكون التحول إلى جمهورية عن طريق استفتاء يحصل على غالبية أمرًا سهلًا، ليس فقط على المستوى الوطني فحسب، بل في أربع ولايات على الأقل من الولايات الفيدرالية الست في أستراليا. يجب أن يُقترَح أيضًا رئيس بديل للدولة، مثل رئيس منتخب أو معين. ففي عام 1999 -وعلى الرغم من استطلاعات الرأي المؤيدة للجمهورية- أخفق الاستفتاء بنسبة عشر نقاط مئوية، ويرجع ذلك جزئيًّا إلى الانقسامات التي حدثت بين الحركة الجمهورية حول البديل.
كندا أيضًا قد تقرر التخلص من النظام الملكي، لكن عقبة التخلص من تشارلز أعلى من تلك الموجودة في أستراليا. وبدلًا من إجراء استفتاء تطلب كندا “الموافقة بالإجماع”، أي أغلبية أعضاء مجلس العموم ومجلس الشيوخ والهيئات التشريعية الإقليمية العشر. يشير أمات أستاذ العلوم السياسية في جامعة واترلو إلى أنه لم يسبق لأي تعديل دستوري مقترح اجتياز مثل هذا الحد العالي، ويقول: “المفارقة هي أن الطريقة الأكثر احتمالية لإلغاء كندا للنظام الملكي هي أن تقوم المملكة المتحدة هي بذلك”.
بعض الأماكن أقل صرامة؛ ففي نيوزيلندا يكفي صدور قانون برلماني لإزالة الملكية. وقد قالت السيدة أدرن العام الماضي -على الرغم من قناعتها بأن النظام الملكي لن يدوم طوال حياتها-: إنها لم “تشعر بعد برغبة النيوزيلنديين في إجراء تغيير كبير في ترتيباتنا الدستورية”. يمكن للعديد من دول الكاريبي أن تتحول إلى جمهورية دون استفتاءات أيضًا. ومع ذلك فقد أخفق العديد في الوفاء بوعودهم في الماضي. إذ أعلن عدد من رؤساء وزراء جامايكا عن خطط غير مثمرة لإسقاط الملكة، وأخفق استفتاء في سانت فنسنت وجزر غرينادين في عام 2009. كما سبقت محاولة باربادوس الناجحة لإزالة الملكة محاولة فاشلة في عام 2008. ولا تزال العديد من دول الكاريبي تعتمد على المجلس الخاص -وهي محكمة يستشيرها الملك- بوصفه محكمة عليا. التغيير هو تحدٍّ صعب آخر للجمهوريين.
في النهاية قد يستمر الملك تشارلز الثالث في السيطرة على عدة أماكن لمجرد القصور الذاتي. لم تحظ الملكية الحديثة بالشعبية التي كانت عليها من قبل، لكنها لم تلق استياء على نطاق واسع. في العديد من الأماكن قد يرغب بعض السياسيين في التخلص منه. والآن مع ذهاب التاج من إليزابيث إلى تشارلز فإن العديد من البلدان لديها مشكلات أكثر إلحاحًا من مشكلات الملك تشارلز.
اقرأ المزيد
بحر من الزهور في حديقة جرين بارك جلبها المعزون بوفاة الملكة إليزابيث
الرابط المختصر هنا ⬇