العرب في بريطانيا | كيف تفاعل الإعلام البريطاني مع رد طهران على هجو...

1446 ذو الحجة 17 | 14 يونيو 2025

كيف تفاعل الإعلام البريطاني مع رد طهران على هجوم تل أبيب؟

كيف تفاعل الإعلام البريطاني مع رد طهران على هجوم تل أبيب؟
عبلة قوفي June 14, 2025

مع تصاعد التوتر في الشرق الأوسط عقب رد طهران على الغارات الإسرائيلية والذي أسفر عن سقوط 3 قتلى و90 مصابا، انشغلت وسائل الإعلام البريطانية بتحليل أبعاد الصراع وتداعياته المحتملة على الاستقرار الإقليمي والدولي.

وتنوّعت التغطيات بين التحذير من دوامة العنف والدعوة إلى تعزيز المساعي الدبلوماسية لحل الأزمة، وبين التركيز على موازين القوى العسكرية في المنطقة. غير أن بعض التغطيات اتسمت بالتناقض، إذ بدت حذرة في انتقاد التصعيد الإسرائيلي، في حين أولت اهتمامًا خاصًّا بخطورة الرد الإيراني.

وفي هذا التقرير نستعرض معكم كيف غطت أبرز وسائل الإعلام البريطانية الرد الإيراني:

بي بي سي

Rescue personnel stand next to damaged vehicles
Reuters

عكست تغطية “بي بي سي” الأخيرة لتصاعد التوتر بين إيران وإسرائيل لهجة حذرة، حاولت من خلالها رسم صورة شاملة للرد الإيراني، لكنها لم تخلُ من بعض التحيزات الضمنية التي تميل نحو السردية الغربية في قراءة الصراع.

ففي افتتاحيتها، اختارت بي بي سي تسليط الضوء على “الصواريخ الباليستية الإيرانية” و”تهديدات المرشد الأعلى”، ما يعزز صورة إيران بوصفها قوة هجومية خطرة، في حين قُدّمت الهجمات الإسرائيلية بوصفها مجرد “ضربات ليلية” أو “ردود عسكرية” على تهديد مفترض، مع أنها طالت قادة عسكريين وعلماء، ما يُعد تصعيدًا نوعيًّا خطيرًا.

كما أن التقرير أبرز تصريحات ترامب، الذي عاد للمشهد السياسي بتحذيراته لإيران ودعمه الضمني لإسرائيل، دون موازنة ذلك بتسليط كافٍ على ردود الأفعال الدولية أو الأصوات الداعية للتهدئة، خصوصًا من داخل بريطانيا أو الاتحاد الأوروبي. وفي هذا السياق، أظهرت بي بي سي إسرائيل بمظهر الدولة التي “تدافع عن نفسها” ضد تهديد نووي، في حين صوّرت الرد الإيراني على أنه تصعيد مقلق.

التقرير أشار إلى اغتيال شخصيات بارزة في الحرس الثوري ومقتل علماء إيرانيين، لكنه لم يُسلّط الضوء الكافي على البُعد غير القانوني لمثل هذه الاغتيالات، أو على خرقها للقوانين الدولية.

التلغراف

Iranian missiles hit civilian areas in Tel Aviv
AP Photo/Tomer Neuberg

أما صحيفة التلغراف فقد غطت هجوم إيران على تل أبيب تحت عنوان يوحي برد عنيف ومباشر، وركزت الصحيفة على تصوير الضربات الإيرانية على أنها “استهداف متعمد للمدنيين”، متجاهلة إلى حد كبير سياق التصعيد المسبق من جانب إسرائيل، الذي شمل استهداف مواقع نووية واغتيال قيادات عسكرية وعلمية في طهران.

ومع أن التقرير ذكر أن إسرائيل شنت “موجات من الهجمات الصاروخية على إيران” ووصفتها بأنها استهدفت “قيادات عليا من الجيش” و”مواقع نووية”، فإن التلغراف لم تتعامل مع هذا العدوان بوصفه عاملًا أساسيًّا في التصعيد، بل اكتفت بذكره بوصفه خلفية خبرية، دون مساءلة قانونية أو أخلاقية له، وهو ما يعكس انحيازًا سرديًّا لمصلحة الرواية الإسرائيلية.

وكرّست الصحيفة المفهوم المهيمن في الخطاب الغربي بشأن “الخطوط الحمراء”، من خلال الاقتباس المباشر لوزير الدفاع الإسرائيلي، الذي وصف الرد الإيراني بأنه “جريمة شنيعة”، لكن التلغراف لم تشر إلى أي توصيف مشابه للهجوم الإسرائيلي السابق، الذي أسفر عن مقتل شخصيات بارزة في دولة ذات سيادة.

كما برز في التغطية تأكيد متكرر على الأرقام التي توحي بخطورة الضربات الإيرانية: “150 صاروخًا”، و”15 مصابًا”، و”خمسة قتلى”، دون توثيق مماثل للخسائر أو الأضرار في إيران عقب القصف الإسرائيلي، ما يعزز وصف إيران بأنها معتدٍ منفلت، في مقابل وصف إسرائيل بضحية تدافع عن نفسها.

الغارديان

Aftermath of missile attack from Iran on Israel, in Rishon LeZion, near Tel Aviv.
Reuters

ركزت صحيفة الغارديان على خطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مبرزة تصريحه الذي يدعو فيه الإيرانيين إلى “الوقوف ضد نظامهم”، في نبرة دعائية تتعدى حدود الأزمة الراهنة، وتحمل دلالات تدخل سياسي في الشأن الداخلي الإيراني.

ومع أن التقرير أشار إلى أن الضربات الصاروخية الإيرانية جاءت ردًّا على غارات إسرائيلية استهدفت منشآت نووية وأدت إلى اغتيال قادة وعلماء إيرانيين، فإن الغارديان قدمت هذه الوقائع كخلفية مقتضبة، دون منحها الثقل الأخلاقي أو القانوني المستحق، ولا توصيفها كاعتداء استباقي على سيادة دولة، وهو ما من شأنه أن يغيّب الجذور الحقيقية للتصعيد.

التغطية أيضًا منحت مساحة واسعة لتصريحات المسؤولين الإسرائيليين، ولا سيما نتنياهو ووزير الدفاع كاتس، اللذين تحدثا عن تجاوز إيران “الخطوط الحمراء”، وصوّرا الرد الإيراني على أنه استهداف متعمد للمناطق المدنية. وفي المقابل، لم تسلط الغارديان الضوء على أثر الهجوم الإسرائيلي في الداخل الإيراني، لا من حيث عدد الضحايا، ولا على مستوى الانتهاكات القانونية أو الموقف الدولي من تلك الضربات.

اللافت أيضًا هو اختيار الصحيفة إبراز تصريحات نتنياهو الذي خاطب “الشعب الإيراني” مدعيًا أن “الشعب الإسرائيلي معكم”، في محاولة لإعادة صياغة صورة إسرائيل كمدافع عن الإيرانيين ضد نظامهم، رغم كونها الجهة المعتدية في التصعيد الأخير.

تغطية الغارديان -رغم ما عُرف عنها من توجه أكثر انتقادًا للسياسات الإسرائيلية مقارنة بصحف بريطانية أخرى- لم تخلُ في هذا السياق من انحياز ضمني للسردية الإسرائيلية، عبر انتقاء التصريحات والتركيز على الأثر داخل إسرائيل دون مقاربة شاملة لطبيعة التصعيد ومسؤوليته.

فاينانشال تايمز

بريطانيون يقررون مقاطعة المنتجات المستوردة لهذا السبب

اختارت صحيفة فاينانشال تايمز أن تتصدر تحذيرات الرئيس الأميركي دونالد ترامب المشهد الإعلامي، في خطاب تصعيدي شديد اللهجة، وصف فيه الهجمات المقبلة بـ”الأكثر وحشية”، ودعا إيران إلى “عقد صفقة” قبل “فوات الأوان”. هذا التركيز على لغة ترامب النارية يعكس رغبة الصحيفة في إبراز الدور الأميركي بوصفه محور ضغط سياسي وعسكري، دون مساءلة هذه اللغة من منظور القانون الدولي أو تداعياتها الإنسانية.

ومع أن الصحيفة ذكرت أن الهجوم الإيراني جاء في أعقاب ضربات إسرائيلية عسكرية، فلم تضع ذلك في إطار “اعتداء” أو “خرق للسيادة الإيرانية”، بل مرّت عليه بصيغة عابرة، وما يُفرغ الرد الإيراني من شرعيته الدفاعية، ويعزز السردية الغربية التي تصوّر طهران كطرف غير عقلاني يتهرب من الاتفاق النووي ويهدد الأمن الإقليمي.

وأبرزت فاينانشال تايمز تصريحات الجيش الإسرائيلي بشأن اعتراض الطائرات المسيّرة الإيرانية، وأشارت إلى عددها (100 طائرة)، مع التنبيه إلى “نجاح” إسرائيل في منع وصولها، ما يسهم في رسم صورة إعلامية للقوة العسكرية الإسرائيلية بوصفها مدافعة وفعالة، في مقابل تصوير إيران كقوة متهورة لا تؤكد مسؤوليتها عن الهجمات.

اللافت أن الصحيفة لم تورد أي تصريحات رسمية من الجانب الإيراني، ولم تشر إلى موقف طهران من الضربات الإسرائيلية أو الضحايا الذين سقطوا داخل أراضيها، ما يعكس غيابًا تامًّا للرواية المقابلة، ويؤكد افتقار التغطية إلى التوازن التحريري الضروري لفهم تعقيدات الصراع.

ديلي ميل

Image
X

أما صحيفة ديلي ميل فكانت تغطيتها للتصعيد الأخير بين طهران وتل أبيب ضمن إطار يميل بوضوح إلى السردية الإسرائيلية والغربية، حيث ركزت الصحيفة على “وابـل من الصواريخ الباليستية” الإيرانية بوصفها فعلًا انتقاميًّا يحمل طابع التهديد والخطر الإقليمي، لكنها مرّت على الهجوم الإسرائيلي فجر أمس الجمعة، الذي استهدف منشآت نووية وقتل مسؤولين إيرانيين، دون تعمق أو مساءلة سياسية أو قانونية.

هذا ووصفت الصحيفة الهجوم الإيراني بأنه “انتقام مؤلم”، وركزت على “صفارات الإنذار” و”التفجيرات” في تل أبيب والقدس، ما يُضفي على إيران صورة الدولة المعتدية. في المقابل، قدّمت عملية الأسد الصاعد التي نفذتها إسرائيل بوصفها “عملية متطورة” استهدفت “منشآت نووية ومواقع عسكرية”، دون أن تصفها بأنها خرق للسيادة أو تصعيد غير مشروع، وهو ما يكشف ازدواجية واضحة في المعايير.

ومع أن تغطية ديلي ميل أشارت إلى تحذير إيران من أن إسرائيل والولايات المتحدة “ستدفعان ثمنًا باهظًا”، فإنها صاغت ذلك ضمن إطار تهديدي عدائي، من دون الإشارة إلى السياق السياسي أو القانوني الذي يفسر الموقف الإيراني، كحق الدفاع عن النفس بعد اغتيالات وهجمات على مواقع استراتيجية.

سكاي نيوز

Image
X

ركزت قناة سكاي نيوز على الدعم الأميركي المباشر لإسرائيل في اعتراض الصواريخ الإيرانية، وقدّمت هذا التعاون بوصفه “توافقًا طبيعيًّا” ضمن إطار التحالف بين الطرفين، في تجاهل واضح للتبعات القانونية والسياسية لتدخل عسكري أجنبي في صراع إقليمي مشتعل.

وبدأت التغطية بالإشارة إلى أن إسرائيل هاجمت مواقع عسكرية ونووية إيرانية أسفرت عن مقتل قادة في الحرس الثوري وعلماء نوويين، إلا أن صياغة الخبر جاءت على نحو محايد وخالٍ من الإدانة للهجوم كعدوان أو انتهاك للسيادة الإيرانية. في المقابل، ركّزت التغطية كثيرًا على رد الفعل الإيراني بوصفه تهديدًا للأمن الإقليمي، من خلال الإشارة إلى الطائرات المسيّرة والصواريخ، دون تناول دقيق للسياق الذي دفع إيران إلى هذا الرد.

وتجاهلت تغطية القناة إلى حد كبير الرواية الرسمية الإيرانية، سواء فيما يتعلق بخسائرها البشرية أو بتفسيرها للهجوم الإسرائيلي، واكتفت بنقل روايات إسرائيلية وأميركية تعزز سردية “الرد الدفاعي” المشروع. كما أبرزت سكاي نيوز موقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي دعا طهران إلى “إبرام اتفاق”، وهددها دون مساءلة مضمون هذه التصريحات أو ربطها بالتصعيد العسكري القائم.

الإندبندنت

Image
X

ركزت صحيفة الإندبندنت بطريقة لافتة على ردود الفعل داخل إسرائيل، ويشمل ذلك التعليمات بالبقاء في الملاجئ، وصافرات الإنذار، والانفجارات في تل أبيب والقدس، في حين لم تُمنح الخسائر البشرية في إيران أو تدمير بنيتها العسكرية والمدنية المساحة نفسها من التغطية، رغم الإشارة إلى أن إسرائيل استخدمت 200 طائرة لضرب أكثر من 100 هدف داخل إيران، في عملية وُصفت بأنها “مدمرة”.

ومع أن الصحيفة نقلت تصريحات لرئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو بشأن استهداف منشأة نطنز النووية وبرنامج الصواريخ الباليستية الإيراني، فإنها لم تطرح تساؤلات عن هذا الاستهداف لبرنامج نووي يخضع للرقابة الدولية، أو عن مدى شرعية استهداف علماء عسكريين في منازلهم، كما لم تُسلط الضوء على ما إذا كانت هذه الهجمات تشكل جرائم حرب أو انتهاكات للمواثيق الدولية.

وفي السياق نفسه، غابت الرواية الإيرانية الرسمية أو وجهة نظر طهران، ما عدا نقل تهديدات المرشد الأعلى علي خامنئي، ما ساهم في تعزيز صورة إيران كطرف “مهدد” و”متهور”، في حين قُدِّمت إسرائيل بوصفها جهة “تحمي مواطنيها” وترد على تهديدات أمنية.

أما على صعيد التحليل السياسي، فلم تُشر الصحيفة إلى الدور البريطاني المباشر أو غير المباشر، مع أن الحدث يندرج ضمن سياقات السياسة الخارجية الغربية في الشرق الأوسط. كما أن التغطية اكتفت بذكر أن واشنطن “نأت بنفسها” عن الهجوم، دون مساءلة هذه الرواية أو التحقق من تقارير تفيد بتنسيق عسكري أميركي إسرائيلي سابق.

رأي منصة العرب في بريطانيا

وتعليقًا على هذه التغطيات، ترى منصة العرب في بريطانيا (AUK) أن مثل هذه التغطيات تسلط الضوء على حاجة الإعلام البريطاني إلى تبني رواية أكثر توازنًا، تُعطي وزنًا أكبر للسياق الإنساني والقانوني للصراع، لا سيما في ظل تزايد مخاوف الجاليات العربية والإسلامية في بريطانيا من الانعكاسات السياسية والإعلامية للأحداث الجارية في الشرق الأوسط.


اقرأ أيضًا:

اترك تعليقا

لن يتم نشر بريدك الإلكتروني.

loader-image
london
London, GB
9:25 pm, Jun 14, 2025
temperature icon 18°C
broken clouds
63 %
1018 mb
14 mph
Wind Gust 0 mph
Clouds 79%
Visibility 10 km
Sunrise 4:42 am
Sunset 9:18 pm