اغتيال أنس الشريف يكشف نوايا الاحتلال… وما ينتظر غزة أخطر
كل شيء رهن بالزاوية التي ننظر منها إلى الأحداث.
هذه العبارة لم تكن يومًا مجرد حكمة عابرة، بل حقيقة نعيشها في تفاصيل حياتنا، وها هي اليوم تتجلى بوضوح ونحن نودّع الصحفي الحر أنس الشريف ورفاقه في غزة.
من زاويتهم… ارتاحوا من عناء الدنيا ومن مشاهدة الإبادة الجماعية اليومية بأعينٍ تنقل الألم للعالم وتعيشه في الوقت ذاته لحظة بلحظة.
رحلوا وهم على عهدهم مع الكلمة والصورة، يواجهون آلة الاحتلال بعدساتهم لا بسلاحهم، ويختارون أن يكونوا على خط النار كي لا تموت الحقيقة.
ومن زاويتنا… فقدنا شهودًا حقيقيين على الجريمة، وأصواتًا أصبحت جزءًا من وعينا اليومي، وأسماءً صارت قريبة من قلوبنا حتى وإن لم نلتقها يومًا. فقدنا وجوهًا كنا ننتظر ظهورها في بثّ مباشر من قلب الدمار، وصوتًا كنا نثق أنه لن يخذلنا في نقل ما يجري.
استهداف الصحفيين في غزة ليس مجرد خسارة فردية، بل هو سياسة متعمدة ضمن مسار الإبادة. فالاحتلال يدرك أن الرواية الفلسطينية تحاصره في كل مكان، وأن الصورة قد تزلزل مواقفه الدولية أكثر مما تفعل الساحات العسكرية. لهذا يوجّه نيرانه نحو العيون التي ترى، والأقلام التي تكتب، والأصوات التي تشهد.
ولولا أن الاحتلال يعيش مرحلة ضعف سياسي وأخلاقي غير مسبوقة، لما لجأ بهذا الإصرار إلى استهداف الصحفيين.
ولولا أنه يُهيِّئ الأرضية لشيء أشد فظاعة، لما سعى بهذا الإلحاح إلى تغييبهم. فهو يعرف أن تغييب الشهود يفتح له الطريق لارتكاب جرائم أكبر بعيدًا عن أنظار العالم، وأن إسكات الأصوات الحرة يمنحه فرصة أطول لتنفيذ مخططاته دون حسيب أو رقيب.
لكننا -نحن الأحياء- لا نملك ترف الصمت ولا رفاهية الاكتفاء بالحزن. رحيل أنس الشريف ورفاقه يضع على عاتقنا مسؤولية مضاعفة: أن نحمل الرواية كما كانوا يحملونها، وأن نكون عيونًا وآذانًا للعالم، ننقل ما يحدث في غزة بصدق وإصرار. علينا أن نساند كل صوت جديد يظهر في الميدان، وأن نتيح له المساحة والوسائل ليواصل العمل، حتى لا تتحقق غاية الاحتلال في إسكات الحقيقة.
وفي هذه اللحظة، لا يمكننا أن نغفل التحية لصحفيي الجزيرة وطاقمها الذين يواصلون عملهم من قلب الميدان، وهم يدركون تمامًا أنهم مشاريع شهداء من لحظة وقوفهم خلف مايكروفون الجزيرة أو أمام عدساتها. إنهم يعرفون أن الاستهداف قد يطولهم في أية لحظة، لكنهم لا يتوانَون عن أداء واجبهم في فضح الجرائم ونقل الحقيقة للعالم.
إن الاحتلال الذي يضع الأطباء والصحفيين في مرمى نيرانه، فضلًا عن النساء والأطفال، يثبت بما لا يدع مجالًا للشك أنه كيان لا يحمل أي مقومات إنسانية، ولا يمكن التعايش معه أو الوثوق بعهوده. إنه كيان لا يرى في الحياة إلا هدفًا للإلغاء، ولا في الحقيقة إلا خطرًا يجب طمسه، ومن واجب العالم أن يواجهه لا أن يساومه.
اقرأ أيضًا:
جميع المقالات المنشورة تعبّر عن رأي أصحابها ولا تعبّر بالضرورة عن رأي المنصة
الرابط المختصر هنا ⬇