إيقاف طبيب أردني عن العمل بسبب تضامنه مع غزة

خلود العيط May 15, 2025

في مشهد يعكس تصاعد التضييق على الأصوات المتضامنة مع الفلسطينيين في بريطانيا، أُوقف طبيب بريطاني من أصل أردني عن العمل في مستشفى تابع لهيئة الخدمات الصحية الوطنية (NHS)؛ بسبب منشوراته الداعمة لغزة وانتقاده لما وصفه بـ”الإبادة الجماعية” التي يتعرّض لها الفلسطينيون في القطاع.

الدكتور نديم حدادين-كرو، المتخصص في طب الطوارئ، كان يعمل بموجب عقد جزئي مع مستشفى تابع لـ(NHS)، قبل أن يُوقَف عن العمل عقب نشره آراء على مواقع التواصل الاجتماعي تنتقد العدوان الإسرائيلي المستمر على غزة. وهو اليوم يخوض معركة قانونية لاستعادة عمله، والدفاع عن حق العاملين في القطاع الصحي بالتعبير عن مواقفهم الإنسانية والأخلاقية تجاه القضايا الدولية.

“أن تكون إنسانًا”.. تهمة يعاقَب عليها الطبيب

وتأتي قضية الدكتور حدادين-كرو في سياق أوسع من الممارسات التي وصفها ناشطون حقوقيون بـ”الاضطهاد المهني” للأطباء الذين يُعبّرون عن تضامنهم مع الفلسطينيين. فبحسَب إفادته، كانت منشوراته عن القصف الإسرائيلي على مستشفيات غزة، واستهداف الفِرَق الطبية هناك، كفيلة باتهامه بـ”معاداة السامية” وفق تعريف التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست (IHRA)، وهو تعريف مثير للجدل لطالما وُظّف -كما يقول- لإسكات الأصوات المنتقدة لإسرائيل.

وقال حدادين-كرو في حوار مع موقع (The Electronic Intifada): “إذا كنت طبيبًا وتُعبّر عن موقف إنساني، فإن ذلك يُعَد خروجًا عن السلوك المهني. مجرد أن تتحدث كإنسان، خارج وقت العمل، قد يُحوّلك إلى متهم”.

وتأتي هذه الحملة ضمن موجة أوسع من التضييق، تدعمها جهات رسمية بريطانية. ففي ديسمبر 2024، دعا وزير الصحة البريطاني ويس ستريتينغ الهيئات الرقابية إلى استهداف العاملين في القطاع الصحي الذين ينتقدون “الإبادة في غزة”، وهي دعوة قوبلت بقلق واسع في أوساط منظمات حقوق الإنسان.

وتُنسّق هذه الحملة مع مجموعات ضغط مثل “محامون بريطانيون من أجل إسرائيل”، التي تُقدّم معلومات عن الأطباء المتضامنين مع فلسطين إلى جهات رسمية بهدف اتخاذ إجراءات تأديبية بحقهم.

ويقول حدادين-كرو: “هذه الجهات أطلقت اتهامات جماعية ضد أمثالي، لأننا تجرأنا على قول الحقيقة فقط: ما يجري في فلسطين لا يمتّ للإنسانية بصلة”.

نحو معركة قضائية مفصلية

وقد بدأ الدكتور حدادين-كرو بالفعل حملة لجمع التبرعات لتغطية تكاليف قضيته القانونية، التي من المقرر أن تُعرض أمام المحكمة في يونيو 2026، أي بعد أكثر من عام. ويعتبر أن هذه المدة تمنحه فرصة لمواصلة حملته وكسب التأييد.

“هذا يمنحني عامًا لرفع صوتي والدفاع عن حقي، وحق كل طبيب واجه ما واجهته. هناك من تعرض للاضطهاد نفسه، من الجهات نفسها، وفي مستشفيات مشابهة”.

ويؤكد أن معركته ليست شخصية فقط، بل مبدئية: “نحن الأطباء من المفترض أن نكون معيار الرحمة والرعاية، لكن ما حدث أظهر أننا إن لم نتمسك ببوصلة أخلاقنا، فلا يمكننا الاعتماد على أي حكومة أو مؤسسة”.

يُذكر أن العدوان الإسرائيلي على غزة المستمر منذ أكثر من عام ونصف، تسبّب في تدمير النظام الصحي بالكامل، ويشمل ذلك استهداف المستشفيات، واغتيال أطباء ومسعفين، ومنع دخول الأدوية والمستلزمات الطبية والوقود والغذاء. ومنذ مارس الماضي، شدّدت إسرائيل الحصار ومنعت أي مواد إغاثية من دخول القطاع، ما فاقم الكارثة الإنسانية التي يعيشها أكثر من مليونَي فلسطيني، نصفهم من الأطفال.

قضية الدكتور حدادين-كرو تفتح الباب على مصراعيه أمام نقاش عميق لمسألة حرية التعبير داخل القطاع الصحي البريطاني، وحدود الموقف المهني عندما يتعلّق الأمر بجرائم حرب وانتهاكات حقوقية في مناطق الحروب.