إسماعيل باتيل: غزة وفانون.. كلمات مقاومة لا تموت

في مقال نُشر على موقع ميدل إيست آي، يرى الكاتب ورئيس منظمة أصدقاء الأقصى إسماعيل باتيل أن الفهم الحقيقي لما يجري في غزة لا يكتمل إلا من خلال عدسة استعمارية، ويستند في تحليله إلى أفكار المفكر المناهض للاستعمار فرانز فانون، الذي وصف العنف الاستعماري بأنه ليس مجرد وسيلة للهيمنة، بل أداة لتجريد الشعوب من إنسانيتها.
ومع أن فانون لم يكتب مباشرةً عن فلسطين أو الاحتلال الإسرائيلي، فإن إرثه الفكري، كما يشير باتيل، يُقدّم إطارًا تحليليًّا شديد القوة لفهم الإبادة الجارية في غزة، بوصفها امتدادًا طويل الأمد لمشروع استيطاني قائم على نزع الهُوية والقضاء على الآخر.
باتيل: النكبة ليست ذكرى.. بل مشروع مستمر
ويُذكّر الكاتب بأن مأساة الفلسطينيين بدأت مع النكبة عام 1948، حين طُرد نحو 750 ألف فلسطيني من ديارهم، ودُمِّر أكثر من 500 بلدة وقرية لإقامة “إسرائيل”. هذه اللحظة -بحسَب فانون- لا تُفهَم بوصفها حادثة تاريخية عابرة، بل بوصفها نقطة انطلاق لمشروع استعماري لا يزال مستمرًّا إلى اليوم، إذ يعيش الفلسطينيون تحت الحصار، والحرمان، والقصف، في ظل منظومة تنظر إليهم على أنهم “أدنى من البشر”.
وينقل باتيل عن فانون وصفه للعلاقة الاستعمارية بأنها تبدأ بالعنف وتُحافظ عليه بـ”الحِراب والمدافع”، مبررة ذلك بخطاب “الحق الإلهي” أو تصوير السكان الأصليين خطرًا يهدد “المدنيّة”. وفي السياق الفلسطيني، يُمارَس هذا الخطاب من خلال وصف الفلسطينيين بالحيوانات والثعابين والصراصير، وهي ليست مجرد شتائم، بل أدوات مقصودة لنزع الإنسانية، تُبرّر القصف الجماعي والقتل والتهجير.
كما ينتقد الكاتب محاولات الخطاب الصهيوني إعادة صياغة العنف الاستعماري بلغة أخلاقية، من قبيل “مكافحة الإرهاب” أو “تحرير غزة من حماس”، وهو ما حذّر منه فانون بوصفه “تمويهًا متعمدًا للواقع”، حيث تتحول الجرائم إلى “إجراءات أمنية” عبر الاعتقالات، وهدم المنازل، وتقييد الحركة والاغتيالات.
العنف يدمر المستعمِر كما يدمر المستعمَر
ويضيف باتيل: إن هذا العنف لا يُدمّر الفلسطينيين وحدهم، بل أيضًا يُفسد الضمير الجمعي للمستعمِر، حيث يُجنَّد الإسرائيليون في جيش توسعي، في حين يعيش الفلسطينيون في ظل صدمة واضطهاد نفسي متعدد الأجيال.
ويشير إلى أن بعض الجهات الفلسطينية، وعلى رأسها السلطة الفلسطينية، تُعيد إنتاج هذا القمع ضد شعبها، كما يظهر في قمع المظاهرات ضد الحرب على غزة، أو التعاون مع الاحتلال في ملاحقة الأصوات الإعلامية الحرة. وقد انتقدت منظمة العفو الدولية بدورها هذه الممارسات، ووصفتها بأنها خرق لحرية الصحافة والمجتمع المدني.
ويرى فانون، كما ينقل الكاتب، أن الشعوب المستعمَرة “قد تُقهر، لكنها لا تُروَّض”، وأن المقاومة في هذا السياق ليست رد فعل فقط، بل فعل تحرري يعيد للإنسان كرامته وذاتيته. ومن هذا المنظور، فإن مقاومة الفلسطينيين تُعيد لهم صفتهم كـ”بشر ذوي كرامة”، وهو ما تحاول إسرائيل محوه عبر خطابها الاستعماري والعسكري.
وبينما وصف فانون الاستعمار التقليدي بأنه “لا يفكّر، بل يضرب”، يرى باتيل أن الاستعمار الإسرائيلي يختلف، إذ يُمارَس بعقلانية باردة، ويعتمد على سردية مانوية صارمة (نحن/هم)، واستراتيجيات سياسية بعيدة المدى، ودعاية دينية تُضفي طابعًا مقدسًا على الاحتلال.
في هذا الإطار، يُقسّم الواقع الفلسطيني إلى منطقتين: “منطقة كينونة” يعيش فيها المستوطنون الإسرائيليون بالأمن والامتيازات، و”منطقة لا كينونة” يُسحق فيها الفلسطينيون دون حقوق أو اعتراف.
ويخلص الكاتب إلى أن أي حديث عن “حل الدولتين” أو “دولة مشتركة” يبدو مستحيلًا ضمن هذا النظام الاستيطاني العنصري، الذي يُعيد إنتاج أدوات الاستعمار الكلاسيكي عبر تكنولوجيا وخطاب حديثين.
ويذكّر إسماعيل باتيل بدعوة فانون في ختام كتابه “معذَّبو الأرض” إلى ولادة “إنسان جديد”، محرّر من الاستعمار والعنصرية والانتقام. ويرى أن هذا المستقبل لا يمكن أن يتحقق إلا بعد سقوط المشروع الاستعماري. ومن ثَمّ، فإن تحرير فلسطين ليس قضية محلية فحسب، بل هو سؤال عالمي يتعلق بالعدالة، والكرامة، والحق في مقاومة الاحتلال.
رأي منصة العرب في بريطانيا
نرى في منصة العرب في بريطانيا أن هذا التحليل يُسلط الضوء على أهمية فهم القضية الفلسطينية ضمن إطار تاريخي واستعماري عميق، لا كأزمة إنسانية مؤقتة، بل كنتاج طويل الأمد لنهج قائم على نزع الهُوية والحقوق.
ونؤكد أن حرية التعبير والتحليل السياسي الواعي من حق الجميع، ويشمل ذلك الأكاديميين والناشطين في بريطانيا، لمساءلة السياسات الرسمية ومظاهر الانحياز الإعلامي. كما ندعو إلى تعزيز الوعي السياسي لدى الجاليات العربية والمسلمة، وفهم ارتباط القضايا العالمية بمفاهيم العدالة والتحرر وحقوق الإنسان، ولا سيما في المجتمعات المتعددة الثقافات مثل بريطانيا.
المصدر: ميدل إيست آي
اقرأ أيضًا:
الرابط المختصر هنا ⬇