العرب في بريطانيا | كيف أصبحت بريطانيا واحدة من أفقر البلدان في أور...

1446 ذو الحجة 29 | 26 يونيو 2025

كيف أصبحت بريطانيا واحدة من أفقر البلدان في أوروبا الغربية؟

كيف أصبحت بريطانيا واحدة من أفقر البلدان في أوروبا الغربية؟
فريق التحرير October 27, 2022

مرت بريطانيا بفترة عصيبة خلال الأشهر القليلة الماضية، حيث شهدت ارتفاعًا كبيرًا في الأسعار، في حين وصل التضخم إلى نسبة غير مسبوقة، وتوفيت الملكة إليزابيث أطول الملوك حكمًا في تاريخ بريطانيا، واستقالت رئيسة الوزراء بعد مضي 44 يومًا فقط على تعيينها في منصبها!

 

وقد تناول كل من الإعلام البريطاني والأمريكي الأزمات التي عصفت ببريطانيا، لكن يبدو أن تلك الأزمات تُعَد بمثابة مؤشر على الخلل الوظيفي الذي تواجهه البلاد منذ سنوات.

 

ينظر الأمريكيون إلى بريطانيا على أنها صاحبة الفضل الأكبر في النظام السياسي الديموقراطي لأمريكا، إلى جانب كونها شريكًا ثقافيًّا مهمًّا، فهي الدولة التي صدَّرت للعالم الرأسمالية الحديثة ومنتجات الثورة الصناعية، ومع ذلك تُعَد بريطانيا من أفقر البلاد في أوروبا الغربية!

 

بريطانيا من مركز الصناعة الأوروبية إلى أفقر البلدان في أوروبا الغربية 

 

شهدت بريطانيا تراجعًا كبيرًا في مستويات المعيشة، وانخفاضًا في قيمة الأجور التي وصلت إلى أقل مما كانت عليه قبل 15 عامًا، ومن المرجح أن تستمر قيمة الأجور في الانخفاض.
لكن هذه الأزمة الاقتصادية لم تكن وليدة اللحظة الراهنة، حيث كان اقتصاد بريطانيا أبطأ اقتصادات أوروبا الغربية نموًّا بعد الحرب العالمية الثانية.

 

ثم أصبح النقاش حول الاقتصاد البريطاني أكثر شيوعًا في فترة السبعينيات، حيث شهد اقتصاد الإمبراطورية البريطانية حينها مزيدًا من الانعزال والركود.

 

وسرعان ما عملت تاتشر على تحرير الأسواق من القيود والقواعد التجارية، وحلّت النقابات العمالية خلال فترة الثمانينيات، فأصبح القطاع المالي محور الاقتصاد البريطاني، وقد أدخلت تاتشر السياسات النيوليبرالية الجديدة التي أحدثت عددًا من التغييرات.

 

ثم شهد الاقتصاد البريطاني ازدهارًا كبيرًا منذ فترة التسعينيات وحتى العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، حيث أصبحت لندن أكثر عواصم العالم ريادة في سوق الأموال.

 

وتحولت بريطانيا من أهم البلدان الصناعية في العالم في القرن التاسع عشر، إلى دولة المصارف والبنوك العالمية في القرن الحادي والعشرين.

 

ثم تعرض الاقتصاد البريطاني لضربة قوية عام 2008؛ بعد أزمة الاقتصاد العالمية التي أدت إلى تراجع نمو الاقتصاد، واتبعت حينها الحكومة البريطانية سياسة التقشف؛ تجنبًا للعجز، وكانت الحكومة في ذلك الوقت تسعى لخفض المديونية، لكنها لم تعمل على زيادة الإنتاج لتلبية احتياجات الأسواق المتزايدة.

وكانت نتيجة التقشف كارثية؛ إذ انخفضت القيمة الحقيقية للأجور خلال السنوات الست التالية، وزعم مسؤولو حزب المحافظين أنهم اكتشفوا الخلل الذي يثير قلقهم من تدهور مستويات المعيشة وتباطؤ الاقتصاد.

 

وبدأ اليمين البريطاني يقود دعاية إعلامية؛ لإقناع الشعب بأن سبب الأزمة الاقتصادية هو البيروقراطية المهيمنة على الاتحاد الأوروبي والتي كانت بريطانيا جزءًا منها في ذلك الحين، وأن السبب الآخر هو طالبو اللجوء.

 

وقد أغفل حزب المحافظين ذكر المسؤولين الحقيقيين عن الأزمة الاقتصادية، وهم مجموعة من صنَّاع القرار الذين عرقلوا الميزة التنافسية للاقتصاد البريطاني، ثم اقتنعت الطبقة الوسطى التي تحنّ إلى أمجاد الإمبراطورية بضرورة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وهو ما حصل فعلًا.

 

اتجه الاقتصاد البريطاني خلال السنوات الثلاثين الماضية إلى القطاع المالي بدلًا من الصناعي، وفضَّلت الحكومة البريطانية سياسات التقشف على الاستثمار.

 

“قطاع صناعي متهالك”

تدهور الصناعة في بريطانيا يهدد الاقتصاد (بيكساباي)
تدهور الصناعة يهدد الاقتصاد المملكة المتحدة (بيكساباي)

واختار الناخبون السياسات الاقتصادية المنغلقة والفقيرة بدلًا من اقتصاد الوفرة، فكانت نتيجة ذلك انخفاضًا كبيرًا في الأجور وتراجعًا في الإنتاجية.

 

وبينما كانت وسائل الإعلام البريطانية تتحدث عن انتشار الروبوتات واستخدامها في جميع القطاعات لدرجة أن بعض الناس قد يخسرون وظائفهم، كانت الحقيقة خلاف ذلك تمامًا!

 

وخلال الفترة الممتدة بين 2003 و2018 تراجع عدد آلات غسل السيارات بنسبة 50 في المئة، وازداد الاعتماد على الغسل اليدوي للسيارات بنسبة 50 في المئة، وهو ما أكده خبير الاقتصاد دنكان ويلدن الذي أشار إلى أن الناس أصبحوا يعملون بدلًا من الآلات!”.

 

وقد تبدو هذه النسب غريبة بعض الشيء، ففي بلد صناعي مثل بريطانيا -وفقًا للاتحاد الدولي للروبوتات- يُعَد الاعتماد على تكنولوجيا الآلات في القطاع الصناعي قليلًا نسبيًّا مقارنة بالدول المتقدمة الأخرى.

 

وتبلغ نسبة الروبوتات المستخدمة في الصناعة نحو 100 روبوت مقابل كل 10.000 من اليد البشرية العاملة، وبحسَب الإحصائية الصادرة في عام 2020، فإن متوسط استخدام الروبوتات في بريطانيا أقل مما هو عليه في سلوفينيا وسلوفاكيا!

 

وذكرت إحدى الدراسات أن جميع القطاعات الأخرى في بريطانيا -باستثناء القطاع المالي في لندن- تُعَد أقل إنتاجًا عند مقارنتها بدول أوروبا الغربية.

 

وهكذا تدهورت الصناعة في البلد الذي نشأت فيه الصناعات الحديثة، وتراجعت إنتاجية الاقتصاد البريطاني، لتصبح بريطانيا من أقل الدول تصنيعًا وإنتاجًا.

 

وتحولت بريطانيا من إمبراطورية عالمية إلى بلد منغلق يعوق التجارة العالمية ويمنع وصول المواهب، فانخفضت الهجرة وتراجعت الصادرات والاستثمارات الأجنبية منذ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ما أدى إلى تقلص حجم الاقتصاد الذي يبدو أنه آخذ بالتراجع على المدى الطويل.

 

قد لا يلاحظ زوار المملكة المتحدة هذه الصورة القاتمة للاقتصاد البريطاني؛ فمعظمهم يزور لندن فقط. ويقول الخبير الاقتصادي نوا سميث: إن النجاح الاقتصادي الذي حققته لندن قد يخفي ملامح الفشل الاقتصادي وتراجع الصناعة في المناطق الأخرى. ويقول مات كلاين: تُعَد بريطانيا من أفقر دول أوروبا الغربية باستثناء لندن التي يعتمد ازدهارها على تقديم الخدمات للنخب المالية الفاسدة القادمة من الشرق الأوسط والاتحاد السوفييتي سابقًا.

 

وتبدو بريطانيا اليوم بين خيارين: إما يسار يعارض النمو الاقتصادي، أو يمين يعارض انفتاح الاقتصاد، وقد نمت في بريطانيا مؤخرًا حركة يسارية تؤمن بأن إنقاذ الكوكب يتطلب إيقاف النمو الاقتصادي للدول الغنية، في حين يهيمن على اليمين مجموعة من كبار السن الذين يهتمون بالحروب الثقافية أكثر من الاقتصاد!

 

وبهذا الصدد قال الخبير ويلدون: “عندما فاز بوريس جونسون وحزبه بأغلبية المقاعد في مجلس العموم، لم يكن معظم من صوت لهم من الطبقة العاملة”.

 

كيف ساهمت الأحزاب التقليدية في انكماش الاقتصاد البريطاني ؟

بوريس جونسون
بوريس جونسون زعيم حزب المحافظين (Anadolu Image)

وأضاف: “تشهد بريطانيا في الوقت الراهن سيادة غير مسبوقة لطبقة من اليمينيين غير المهتمين بتطور الاقتصاد والمؤمنين بالعزلة الاقتصادية؛ لأنهم لا يشعرون بالتدهور الاقتصادي”.

 

وهكذا أصبح اقتصاد بريطانيا ضحية لثلاثة عوامل: تدهور الصناعة، وتراجع النمو، وتشويه سمعة الأجانب.

 

وكذلك انتقلت العديد من المصانع إلى الدول والجهات التي تمولها ففقد الاقتصاد مرونته، في حين تراجع مستوى المعيشة، وأدى خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي إلى توقف نمو الاقتصاد، ما أحدث مزيدًا من الفوضى السياسية في البلاد.

 

وبينما يتحدث السياسيون عن ضرورة الاستثمار في القطاع الصناعي المتهالك، يُشكِّك اليسار البريطاني في مزايا النمو الاقتصادي، ويركز اليمين على كراهية الأجانب.

 

ويبدو أن ما يحصل اليوم هو نتيجة إهمال المملكة المتحدة لإرثها الصناعي، إلى جانب تراجع إنتاجها وانغلاقها، ما أدى إلى تهالك اقتصاد دولة كانت من أغنى الدول في العالم.

 

المصدر: The Atlantic


 

اقرأ أيضاً : 

تعرف إلى التأثير الهائل لجامعة كارديف على الاقتصاد البريطاني

جامعات بريطانية تقترح المشاركة في وضع استراتيجيات لتحفيز النمو الاقتصادي

مراقبون يقارنون وضع بريطانيا الحالي بإيطاليا في فترة الركود الاقتصادي

loader-image
london
London, GB
7:22 am, Jun 26, 2025
temperature icon 18°C
broken clouds
82 %
1009 mb
15 mph
Wind Gust 0 mph
Clouds 75%
Visibility 10 km
Sunrise 4:44 am
Sunset 9:21 pm