أسماء العلاق من طفلة ناجية من غزو العراق إلى جراحة ونجمة تلفزيونية
عاشت أسماء العلاق طفولة قاسية في مدينة البصرة جنوب العراق خلال الحرب العراقية-الإيرانية (1980-1988)، حيث كانت الصواريخ تحلق فوق منزلها ونيران المدفعية تقترب أكثر فأكثر. ورغم الانقطاع المتكرر للكهرباء وتعليق الدراسة لفترات طويلة، لم تتخلَّ أسماء عن حلمها في أن تصبح طبيبة.
بجانب حبها للطب، وجدت أسماء شغفًا آخر في الخياطة، حيث بدأت بصناعة الملابس لدمية “سندي” في محاولة للحفاظ على شعور بالحياة الطبيعية وسط النزاعات الدامية. ولم تكن تعلم حينها أن هذا الشغف سيقودها لاحقًا إلى الفوز في برنامج “The Great British Sewing Bee”، أحد أشهر مسابقات الخياطة في المملكة المتحدة.
العودة إلى العراق والعيش وسط النزاع
في أوائل الثمانينات، وبعد إنهاء والدتها دراستها في جامعة كارديف، عادت أسماء وشقيقها إلى العراق مع والدتهما، بينما بقي والدهم في المملكة المتحدة. استقرت العائلة في البصرة، إلا أن الحرب الدائرة جعلت الحياة صعبة.
توقفت الدراسة لفترات طويلة بسبب القصف المستمر، واضطرت أسماء للانتقال بين خمس مدارس مختلفة خلال أربع سنوات فقط. كانت تعيش مع جدتها في منزل صغير، وحين اشتد القصف، لجأ أفراد العائلة إلى المطبخ الصغير، حيث كانوا ينامون متلاصقين خشية القصف العشوائي.
في عام 1990، وبعد انتهاء الحرب العراقية-الإيرانية، قررت العائلة مغادرة العراق والانضمام إلى والدها في بريطانيا، لكن الأحداث السياسية قلبت الأمور رأسًا على عقب.
غزو الكويت وتأجيل الهروب إلى بريطانيا
حجزت العائلة رحلتها إلى المملكة المتحدة في 8 أغسطس 1990، إلا أن الغزو العراقي للكويت في 2 أغسطس أدى إلى إغلاق جميع المطارات وتعليق الرحلات الجوية، ما أجبرهم على العودة إلى البصرة ومواجهة حرب الخليج الأولى.
تذكر أسماء شعور القلق الذي خيّم على العائلة، لا سيما مع المخاوف من الهجمات الكيميائية. حصلت والدتها، التي كانت تعمل في الجامعة، على قناع غاز واحد فقط للعائلة بأكملها، لكنهم قرروا عدم استخدامه، مدركين أنه لا يمكنهم تفضيل أحدهم على الآخر في حال وقوع هجوم.
بعد أشهر من المعاناة وسط الحرب، تمكنت العائلة أخيرًا من مغادرة العراق في 1991 والانضمام إلى والدها في دورهام، المملكة المتحدة.
التأقلم مع الحياة في بريطانيا رغم الصعوبات
رغم الأمان الذي وجدته العائلة في المملكة المتحدة، واجهت أسماء تحديات كبيرة في التأقلم مع المدرسة الجديدة في سن 14 عامًا.
بسبب ارتدائها الحجاب واختلافها عن بقية الطلاب، تعرضت للتنمر، بل وصل الأمر إلى حد محاولة بعض الطلاب نزع حجابها. لكنها، بدعم والدتها، صممت على إكمال تعليمها، متجاهلة المضايقات، وظلت متمسكة بحلمها في دراسة الطب.
كانت مدينة كارديف تمثل لها بيئة أكثر تنوعًا وتقبلاً، لذلك وضعت هدفًا واضحًا: دخول كلية الطب في جامعة كارديف. وبإصرارها، نجحت في تحقيق حلمها.
من طالبة طب إلى جراحة استشارية
بعد سنوات من الدراسة، أصبحت أسماء جراحة استشارية متخصصة في جراحة الثدي في مستشفى رويال غلامورغان في لانترسانت.
وتُعرف أسماء بدقتها الكبيرة في العمليات الجراحية، حيث أشاد زملاؤها بجودة غرزها الجراحية، وهو ما تعزو جزءًا منه إلى مهاراتها في الخياطة التي اكتسبتها منذ الطفولة. بل إنها استخدمت هذه المهارة لمساعدة بعض مرضاها، حيث قامت بتصميم حمالات صدر طبية للنساء اللاتي خضعن لعمليات استئصال الثدي.
الفوز في “The Great British Sewing Bee”
رغم انشغالها بعملها الطبي، لم تنسَ أسماء شغفها بالخياطة. وخلال فترة مرضها بكوفيد في 2022، شاهدت برنامج “The Great British Sewing Bee”، وقررت التقديم للمشاركة.
بعد 48 ساعة فقط من إرسال طلبها، تلقت مكالمة من BBC تؤكد اختيارها ضمن المتسابقين. ومع بدء المسابقة، تمكنت أسماء من التألق وسط المنافسة القوية، حتى وصلت إلى النهائيات وفازت باللقب.
عند إعلان فوزها، شعرت بصدمة شديدة وقالت:
“لقد كان أفضل شعور في حياتي، لأنه كان شيئًا فعلته لنفسي فقط، وليس من أجل عائلتي أو مهنتي أو أي شخص آخر.”
مشروع لدعم النساء بعد عمليات استئصال الثدي
بعد فوزها في المسابقة، لم تكتفِ أسماء بتحقيق الإنجاز الشخصي، بل تعاونت مع زميلتها في البرنامج فوف لإنشاء مشروع لتعليم النساء تصميم حمالات الصدر الطبية، لا سيما لأولئك اللاتي خضعن لجراحة استئصال الثدي، لتوفير خيار مريح وأنيق يناسب احتياجاتهن.
وتمثل قصة أسماء العلاق مثالًا ملهمًا على الإصرار والتحدي. من طفلة نشأت في ظل الحروب، إلى جراحة مرموقة ونجمة تلفزيونية، استطاعت أن تحول التحديات إلى نجاحات استثنائية في مسيرتها.
وتبقى رسالتها واضحة:
“لا شيء مستحيل إذا امتلكت العزيمة لتحقيقه.”
المصدر: uk.news.yahoo
إقرأ أيضًا:
الرابط المختصر هنا ⬇
أخبار ذات صلة
21°C
