طالب السياسي البريطاني البارز جيريمي كوربن، زعيم حزب العمال الأسبق والنائب الحالي عن دائرة إزلينغتون الشمالية، بفتح تحقيق مستقل وشامل في دور بريطانيا في دعم الحملة العسكرية الإسرائيلية على قطاع غزة، متسائلًا عن مدى تورط الحكومة البريطانية في جرائم ضد الإنسانية ارتُكبت بحق المدنيين الفلسطينيين.
وفي مقال نشرته صحيفة الغارديان البريطانية، أعرب كوربن عن قلقه الشديد إزاء الدعم العسكري واللوجستي الذي قدمته الحكومة البريطانية لإسرائيل، رغم التحذيرات المتكررة من المنظمات الحقوقية والإنسانية بشأن طبيعة الانتهاكات المرتكبة في غزة منذ اندلاع العدوان الإسرائيلي في الـ7 من تشرين الأول/أكتوبر 2023.
تكرار مأساة العراق: أخطاء الماضي تعود مجددًا

وأشار كوربن إلى أن التاريخ يعيد نفسه، مستشهدًا بما حدث في العراق عام 2003، حين استُشهد نحو 200 ألف مدني جراء الحرب التي شاركت فيها بريطانيا، واستعرض حادثة مروعة راح ضحيتها طفلان عراقيان -هما حسام (13 عامًا) ومحمد (14 عامًا)- بسبب قنابل عنقودية أمريكية الصنع، أُلقيت بدعم سياسي وعسكري من بريطانيا.
وقد عارضت الحكومة البريطانية في ذلك الوقت مرارًا فتح تحقيق، إلا أن الضغط الشعبي والسياسي أدى في النهاية إلى صدور تقرير شيلكوت عام 2016، الذي كشف عن إخفاقات فادحة في صنع القرار الحكومي.
وأوضح كوربن أنه كان زعيمًا لحزب العمال عند صدور تقرير شيلكوت، وقد اعتذر حينها باسم الحزب لعائلات الجنود البريطانيين والضحايا العراقيين، مؤكدًا أن قرار الدخول في الحرب كان “كارثيًّا”.
واليوم، وبعد مرور أكثر من عام ونصف على بدء القصف الإسرائيلي على غزة، الذي أودى بحياة أكثر من 54 ألف فلسطيني، يرى كوربن أن بريطانيا ترتكب الخطأ ذاته مرة أخرى، من خلال الاستمرار في دعم آلة الحرب الإسرائيلية.
صادرات الأسلحة وتعتيم الحكومة: تساؤلات مشروعة

ويؤكد كوربن أن إسرائيل لم تتحرك بمفردها في عدوانها على غزة، بل اعتمدت على دعم سياسي واقتصادي وعسكري من عدة دول، بينها بريطانيا.
ويشير إلى أن حكومة حزب العمال، التي تولت السلطة بعد المحافظين، وافقت بين تشرين الأول/أكتوبر وكانون الأول/ديسمبر 2024 على عدد من تراخيص تصدير الأسلحة لإسرائيل يفوق ما وافقت عليه حكومة المحافظين بين عامي 2020 و2023، رغم إعلان “تعليق جزئي” لهذه الصادرات في أيلول/سبتمبر من العام نفسه.
ويعبر كوربن عن صدمته من استمرار تزويد برنامج طائرات F-35 المقاتلة بمكونات بريطانية الصنع، رغم أن الحكومة نفسها أقرت بأنها “استثناء” من التعليق الجزئي، متسائلًا عمّا إذا كانت الحكومة تستثني أيضًا التزاماتها القانونية والدولية في منع وقوع إبادة جماعية.
كما أشار إلى أن رئيس الوزراء الحالي كير ستارمر زار قاعدة “أكروتيري” الجوية البريطانية في قبرص في كانون الأول/ ديسمبر 2024، وأدلى بتصريحات غامضة للجنود هناك قائلاً: “العديد من الأمور التي تحدث هنا لا يمكن الحديث عنها دائمًا… لا يمكننا دائمًا أن نُطلع العالم على ما تفعلونه”.
ويعتبر كوربن هذا التصريح دليلًا على وجود أسرار تحجبها الحكومة عن الشعب البريطاني، خصوصًا ما يتعلق باستخدام القواعد البريطانية لنقل الأسلحة أو تقديم الدعم الاستخباري لإسرائيل.
ويقول كوربن: إن كل محاولات نواب المعارضة للحصول على إجابات واجهتها الحكومة بالتجاهل والتعتيم، وهو ما يراه انتهاكًا لمبادئ الشفافية والمساءلة التي يفترض أن تكون أساسًا لأي نظام ديمقراطي.
دعوة لتحقيق مستقل: اختبار حقيقي للعدالة البريطانية

في هذا السياق، أعلن كوربن أنه سيقدم مشروع قانون خاص أمام البرلمان يدعو إلى تشكيل لجنة تحقيق عامة، مستقلة وشفافة، تكشف دور بريطانيا الكامل في دعم الهجوم العسكري الإسرائيلي على غزة، سواء من خلال التعاون العسكري، أو التبادل الاستخباري، أو المواقف السياسية.
وتسعى اللجنة، بحسَب مقترح كوربن، إلى الإجابة عن مجموعة من الأسئلة المحورية: ما طبيعة الأسلحة التي زُودت بها إسرائيل؟ أي منها استُخدم في قتل المدنيين الفلسطينيين؟ هل اتُّخِذت قاعدة أكروتيري نقطة عبور للأسلحة إلى غزة؟ ما المعلومات الاستخبارية التي شاركتها بريطانيا مع إسرائيل؟ وما الفيديوهات التي تحتفظ بها الحكومة من مناطق الحرب؟
ووصف كوربن ما جرى في غزة خلال الأشهر الماضية بأنه إبادة جماعية، لا مجرد “حرب”، مشيرًا إلى أن العالم كله كان يشاهد المجازر تُبثّ مباشرة على الشاشات.
يقول كوربن: “لم يعد بإمكان أي مسؤول الادعاء بأنه لم يكن يعرف”، مضيفًا: “لقد حذرنا في تشرين الأول/أكتوبر 2023 من أن ما يحدث هو تدمير كامل لغزة وسكانها، وقلنا إن الشعب الفلسطيني يُعاقَب جماعيًّا على جريمة لم يرتكبها”.
وتابع: “اليوم يتهرب بعض الساسة من مسؤولياتهم، خائفين من تداعيات صمتهم. لكن لو كانت لديهم ذرة من الشرف، لبكوا على أكثر من 54 ألف ضحية فلسطينية دُفنت تحت الركام بسبب جبنهم السياسي والأخلاقي”.
وختم كوربن مقاله بالتأكيد على أن هذه القضية لن تُطوى بسهولة، وأنه سيواصل الضغط من أجل الكشف عن الحقيقة، داعيًا الحكومة إلى أن تحسم موقفها: “هل ستدعم التحقيق، أم ستواصل عرقلة جهودنا لإحقاق العدالة؟”.
رأي منصة العرب في بريطانيا (AUK)
تؤكد منصة العرب في بريطانيا (AUK)، في تغطيتها المستمرة لانعكاسات الحرب على غزة، التزامها بالمبادئ الإنسانية والقانونية الدولية، وتعتبر الدعوات المتزايدة لفتح تحقيق مستقل في دور بريطانيا خلال العدوان على غزة خطوة ضرورية لكشف الحقيقة ومساءلة المسؤولين عن أي تواطؤ أو إسهام في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.
وتدعو المنصة الحكومة البريطانية إلى الشفافية الكاملة في ما يتعلق بتصدير الأسلحة واستخدام القواعد العسكرية في الخارج، وتُشدد على أهمية الخضوع للمساءلة البرلمانية والقانونية، حمايةً لمصداقية المؤسسات الديمقراطية، وإنصافًا لضحايا الجرائم المرتكبة في غزة، الذين لا يزال صوتهم يعلو رغم الركام.
اقرأ أيضًا: