هل تعترف بريطانيا بدولة فلسطين؟ ضغوط متزايدة داخل حزب العمال

في تحرك دبلوماسي قد يُعيد تشكيل ملامح الملف الفلسطيني على الساحة الدولية، تستعد فرنسا، بدعم سعودي، لعقد مؤتمر حاسم في يونيو المقبل بمدينة نيويورك؛ بهدف دفع المجتمع الدولي للاعتراف بدولة فلسطين، وهو ما وضع بريطانيا تحت ضغوط سياسية متزايدة، خصوصًا من نواب حزب العمال، الذين يطالبون الحكومة البريطانية باتخاذ موقف واضح والانضمام إلى المساعي الفرنسية الخليجية.
تحركات فرنسية وضغوط بريطانية
وأعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي ترأس بلاده المؤتمر المرتقب إلى جانب السعودية، أن هذا اللقاء يجب أن يكون “لحظة حاسمة” نحو الاعتراف بدولة فلسطين. وقال في مقابلة مع قناة فرانس 5: “علينا أن نتحرك نحو الاعتراف، وسنفعل ذلك خلال الأشهر المقبلة”.
الموقف الفرنسي المفاجئ، الذي جاء بعد فترة من التردد، يُمثّل ضغطًا مباشرًا على بريطانيا للالتحاق بالمبادرة، ولا سيما في ظل العلاقات السياسية المتينة بين ماكرون ورئيس الحكومة البريطانية كير ستارمر، واحتمالات أن تتحول هذه المبادرة إلى مشروع أوروبي خليجي مُنسَّق للسلام.
من جهتها قالت النائبة العمالية إميلي ثورنبيري، رئيسة لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان البريطاني: إن الوقت قد حان لأن تعترف بريطانيا بفلسطين، منبّهة إلى ضرورة التنسيق مع فرنسا وحلفاء آخرين. وأشارت إلى أن “كثيرًا من الدول تنتظر، لكن إن لم يتحرك الغرب قريبًا، فقد لا يبقى شيء من فلسطين يمكن الاعتراف به”.
وأعرب عدد من نواب حزب العمال عن غضبهم من السياسات الإسرائيلية، وبخاصة في قطاع غزة، ومنع إسرائيل مؤخرًا نائبتين من الحزب من زيارة الضفة الغربية، ما زاد من حدّة المطالب البرلمانية باتخاذ موقف واضح.
دعم شعبي ومؤسسي داخل بريطانيا
كريس دويل، رئيس مجلس التفاهم العربي البريطاني (CAABU)، الذي يتمتع بتأييد واسع النطاق داخل البرلمان البريطاني، أكد بدوره أن الاعتراف بفلسطين كان يجب أن يحدث منذ زمن، مضيفًا أن خطوة مشتركة من بريطانيا وفرنسا، وهما عضوان دائمان في مجلس الأمن، ستُرسل رسالة قوية على المستوى الدولي. كما حذّر من أن استمرار إسرائيل في ضم الضفة الغربية سيجعل الاعتراف أمرًا متأخرًا وربما بلا جدوى.
ورغم تصاعد الضغوط، لا تزال وزارة الخارجية البريطانية متمسكة بموقفها التقليدي القائم على أن الاعتراف بدولة فلسطين سيتم “في اللحظة المناسبة التي تُحقق التأثير الأكبر”. إلا أن وزير الخارجية الأسبق، ديفيد كاميرون، كان قد وسّع هذا المفهوم عندما أشار إلى أن الاعتراف يجب ألا ينتظر نهاية عملية السلام أو حلّ الدولتين، مؤكدًا أن لا دولة -في إشارة إلى إسرائيل- يُمكنها فرض “فيتو” على القرار البريطاني.
الخليج وإسرائيل: شروط ورفض وتصعيد
وفي الجانب الآخر من المشهد، اشترط ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، أن يتضمن أي اعتراف سعودي بإسرائيل التزامًا لا رجعة فيه بإقامة دولة فلسطينية، متهمًا تل أبيب بارتكاب “إبادة جماعية” بحق الفلسطينيين.
في المقابل، اعتبر وزير الخارجية الإسرائيلي، جدعون ساعر، أن الاعتراف بدولة فلسطين هو “مكافأة للإرهاب ودعم لحماس”، في تصريحات أثارت جدلًا واسع النطاق. وردّ ماكرون برسالة على منصة “إكس” باللغة العبرية، أكد فيها أن فرنسا تقف إلى جانب إسرائيل في أمنها، كما تدعم في الوقت ذاته “قيام دولة فلسطينية من دون حماس”، منبّهًا إلى ضرورة إطلاق سراح الأسرى ووقف دائم لإطلاق النار، والعودة إلى مسار سياسي لحلّ الدولتين.
ورغم تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة في وقت سابق لمصلحة الاعتراف بفلسطين، الذي أيّده 148 من أصل 193 عضوًا، لم تُقدِم أي من دول مجموعة العشرين الغربية، ويشمل ذلك كندا وإيطاليا وألمانيا، على هذه الخطوة بعد. كما امتنعت فرنسا في مايو الماضي عن الانضمام إلى كل من إسبانيا وأيرلندا والنرويج في خطوة مماثلة.
وفي مؤشر على موقف أمريكي متساهل تجاه ضم إسرائيل للضفة الغربية، وافق مجلس الشيوخ الأمريكي الأسبوع الماضي على تعيين مايك هاكابي، حاكم أركنساس السابق، سفيرًا لدى إسرائيل. ويُعرف هاكابي بمواقفه المؤيدة للاستيطان، حيث يستخدم تسميات توراتية مثل “يهودا والسامرة” عند الإشارة إلى الضفة الغربية، وقال خلال جلسة تثبيته: إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لا يؤيد التهجير القسري للفلسطينيين من غزة.
ومع اقتراب مؤتمر نيويورك، تبدو التحركات الدولية أمام مفترق طرق. فبين ضغوط برلمانية داخل بريطانيا، واندفاعة دبلوماسية فرنسية، وتوجه خليجي مشروط، بات الاعتراف بفلسطين أقرب من أي وقت مضى، لكنه لا يزال رهينة حسابات سياسية معقدّة وتوازنات إقليمية ودولية دقيقة.
المصدر: الغارديان
اقرأ أيضًا:
الرابط المختصر هنا ⬇