العرب في بريطانيا | هل انفجار فقاعة الذكاء الاصطناعي قادم؟ خبراء يح...

1447 رجب 1 | 21 ديسمبر 2025

هل انفجار فقاعة الذكاء الاصطناعي قادم؟ خبراء يحذرون من تداعيات خطيرة على الاقتصاد العالمي

WhatsApp Image 2025-12-02 at 8.13.59 AM
إدواردو بورتر December 1, 2025

تركَت حُمّى الذهب في كاليفورنيا بصمةً هائلة على أمريكا. فقد تدفّق نحو 300 ألف شخص إلى هناك بين عامي 1848 و1855، من أماكن بعيدة وصلت إلى الإمبراطورية العثمانية. وقد ارتكب المنقّبون عن الذهب مذابح بحق السكان الأصليين للاستيلاء على المعدن النفيس من أراضيهم في جبال سييرا نيفادا. كما أسهموا في تنشيط اقتصاد الولايات القريبة والدول البعيدة التي اشتروا منها تجهيزاتهم.

وقد وفّر الذهب الدافع لولاية كاليفورنيا – وهي إقليم مكسيكي سابق كان خاضعًا آنذاك لسيطرة الجيش الأمريكي – لتصبح ولاية ذات قوانين خاصة بها. ومع ذلك، لم يحقق “أصحاب الـ49” كما كان يُطلق على المنقبين، الثراء المنشود إلا نادرًا. فقد كان التجار الذين باعوا للمنقبين الطعام والمعاول هم من جَنوا الأرباح الحقيقية. ويُعد أحدهم، وهو مهاجر بافاري يُدعى ليفي شتراوس الذي باع سراويل الدنيم للمنقبين المارّين عبر سان فرانسيسكو، من أكثر الشخصيات التي لا تزال عالقة في الذاكرة من تلك الحقبة.

تشهد كاليفورنيا اليوم موجة استثمارية جديدة. وهذه المرة يتمركز الزخم في وادي السيليكون. أما “وعاء الذهب” الحالي فهو أكثر مراوغة لكنه أكبر بكثير من سابقه: الذكاء الاصطناعي. وما ستخلّفه هذه الموجة وراءها سيشكّل مستقبل الحضارة على المدى الطويل – أو ربما لا؟

une vue aérienne d’un stade

السؤال الذي يبدو أن الجميع يطرحه هو: هل الذكاء الاصطناعي فقاعة؟ الكثيرون يبدون مقتنعين بذلك، بمن فيهم سام ألتمان من “أوبن إيه آي” وبنك إنجلترا. فكيف يمكن تفسير سعر سهم شركة “إنفيديا” الذي تضاعف أكثر من مرة بين أبريل ونوفمبر، اعتمادًا فقط على التوقعات، بل الأمل، بأن الذكاء الاصطناعي سينتج ذكاءً فائقًا قادرًا على القيام بكل ما يقوم به البشر ولكن بكفاءة أعلى؟

إنفيديا – مثل ليفي شتراوس في الماضي – تبيع على الأقل منتجًا ملموسًا: رقائق الحاسوب. أما تقييمات العديد من شركات الذكاء الاصطناعي الأخرى – مثل “أوبن إيه آي” أو “أنثروبيك” – فتعتمد إلى حد كبير على الحلم.

لكن التحدّي التحليلي الحقيقي يتمثل في تحديد نوع الفقاعة الحالية. هل هي من النوع الذي سيدمّر الاقتصاد عند انفجارها؟ وماذا سيبقى ذا قيمة بعد انفجارها؟

تتشارك الفقاعات جميعها في سمة واحدة: مستثمرون مهووسون يطاردون حلمًا. لكنها تختلف في أشكالها. فمنذ أقل من 20 عامًا مررنا بفقاعة الإسكان، حين ارتفعت أسعار المنازل إلى مستويات خيالية وكادت تُسقط النظام المالي بأكمله عندما انهارت. وقبل ذلك بأقل من عقد، انهارت فقاعة الدوت كوم عندما أدرك المستثمرون أن شركات مثل Webvan وPets.com لا تستحق مليارات لمجرد أنها تستخدم الإنترنت.

قبلها بسنوات قليلة شهدنا صعود وانهيار فقاعة شرق آسيا – مع فقاعات صغيرة مرتبطة في روسيا والبرازيل – حين اندفع المال إلى تلك الأسواق الناشئة ثم فزع وخرج منها. كانت هناك أيضًا أزمة تيكيلا التي حطمت البيزو المكسيكي واقتصاده. وكذلك الفقاعة اليابانية، حين تضاعفت قيمة مؤشر نيكاي 225 ثلاث مرات خلال أربع سنوات قبل أن يهبط بنسبة 60% خلال العامين ونصف التاليين.

لقد ابتُلي العالم بالفقاعات المالية منذ القرن السابع عشر على الأقل، عندما وقع المستثمرون الهولنديون في حب زهور التوليب ثم تخلوا عنها. وفي القرن الثامن عشر، تسبّب المستثمرون الفرنسيون والهولنديون والبريطانيون في ما بات يُعرف بفقاعة “بحر الجنوب” نتيجة الحماس المفرط لإمكانات طرق التجارة الجديدة عبر الأطلسي.

وقد انتهت تلك الفقاعة بقانون أصدره البرلمان البريطاني “لمنع الممارسة غير المبررة والمفرطة لجمع الأموال عبر الاشتراكات الطوعية لتنفيذ مشاريع تُعدّ خطرة على تجارة ومصالح رعايا المملكة المتحدة”. وأصبح يُعرف بـ”قانون الفقاعة”.

تقريبًا كل أفق جديد للاستثمار فتح الباب أمام فقاعة مضاربة. فقد سارع المستثمرون للاستفادة من الفرص الجديدة، ثم بالغوا في ذلك، ثم هرعوا للانسحاب. وقد وجد الاقتصاديان كارمن راينهارت وكينيث روغوف أن 66 اقتصادًا رئيسًا في العالم، بما في ذلك الدول المتقدمة وكبرى الدول النامية، لم ينجُ منها بين عامي 1945 و2007 سوى البرتغال والنمسا وبلجيكا وهولندا. وبحلول نهاية عام 2008 لم تسلم أي منها.

لذا فإن السؤال الأهم عند تقييم مشهد الاستثمار المحموم في الذكاء الاصطناعي لا يتعلق حقًا بما إذا كانت الفقاعة ستنفجر أم لا، بل بما ستتركه وراءها. هل ستشمل التداعيات نظامًا ماليًا مشلولًا وركودًا طويل الأمد لا يمكن الخروج منه بسهولة، كما حدث بعد انفجار فقاعة الإسكان؟ أم أنها ستشبه فقاعة الدوت كوم التي خلّف انفجارها ركودًا اقتصاديًا سطحيًا نسبيًا وفي النهاية منح العالم الإنترنت الحديث؟

كما أشرتُ في عمودي الأخير حول الذكاء الاصطناعي، فقد قدّرت جيتا غوبيناث، كبيرة الاقتصاديين السابقة في صندوق النقد الدولي، أن انهيارًا في سوق الأسهم مشابهًا لذلك الذي أنهى فقاعة الدوت كوم قد يمحو نحو 20 تريليون دولار من ثروة الأسر الأمريكية و15 تريليون دولار أخرى حول العالم، وهو ما يكفي لخنق الإنفاق الاستهلاكي وإدخال الاقتصاد في ركود.

لكن حجم الألم الاقتصادي سيعتمد إلى حد كبير على كيفية تمويل موجة الاستثمار الحالية في الذكاء الاصطناعي. والمشكلة أننا لا نعرف ذلك بدقة.

فقد بُنيت فقاعة الإسكان على طفرة في تمويل الرهن العقاري، حيث ملأت البنوك الساعية وراء العائد محافظها بسندات مكونة من حزم قروض لزبائن ذوي جدارة ائتمانية متدنية. وعندما عجز المقترضون عن السداد، تركت تلك الطفرة وراءها غابة من الميزانيات المتضررة: من الأسر المثقلة بالديون والمحرومة من الائتمان، إلى قطاع مصرفي مُثقل بسندات عديمة القيمة. فتجمّدت حركة التمويل. واستغرق اقتصاد أمريكا المُعتمد على الائتمان سنوات للتعافي.

وقد ينتج عن الذكاء الاصطناعي مشهد مشابه. فالعامل الحاسم هو مقدار الديون المشاركة في المشهد. ولن يكون الأمر خطِرًا إلى هذا الحد لو كان التمويل يأتي بشكل رئيسي من احتياطات النقد لدى شركات مثل ألفابت وأمازون ومايكروسوفت وفيسبوك. قد يخسرون استثماراتهم، لكن ذلك لن يهدد النظام المالي. إلا أن المقلق هو أنهم يعتمدون على الاقتراض بشكل متزايد، ما يعني أن انفجار الفقاعة قد يعرّض النظام المالي مجددًا للخطر.

فقد جمعت شركات التكنولوجيا الكبرى ما يقرب من 250 مليار دولار من الديون منذ بداية هذا العام، وفقًا لوكالة بلومبرغ، وهو رقم قياسي. ويقترح محللو مورغان ستانلي أن المزيد من الديون سيكون ضروريًا لسد فجوة تمويلية تبلغ 1.5 تريليون دولار لزيادة الإنفاق على مراكز البيانات والمعدات. والقلق الأكبر هو أن تتبّع حركة الأموال أصبح صعبًا، حيث تستثمر إنفيديا و”أوبن إيه آي” وشركات أخرى في المنظومة في بعضها البعض، مما يعقّد معرفة من سيتحمل الخسائر في النهاية.

والسؤال الآخر هو إلى أي مدى ستستمر التقنيات التي يبنيها روّاد وادي السيليكون. فقد صمدت السكك الحديدية بعد انهيار فقاعة السكك الحديدية في القرن التاسع عشر. وصمد الإنترنت بعد فقاعة الدوت كوم. فهل يوجد في الذكاء الاصطناعي ما يكفي من القيمة ليبرّر هذا الحماس الجامح، حتى لو تراجع مؤقتًا؟

حتى قبل أسابيع قليلة، كنت سأجيب بنعم: لا بد أن هناك ما سيرفع إنتاجية الأعمال في شات جي بي تي أو كلاود. لكن لتبرير الكم الهائل من الأموال المستثمرة، يجب أن يحققوا شيئًا مذهلًا بالفعل – أي ذكاءً عامًا فائق القدرات يفوق البشر. لكن خلال الأسابيع الأخيرة برزت فكرة تتردد في الأوساط التقنية مفادها أن ذلك قد لا يحدث.

إنها فكرة مبنية على آراء عقول تقنية أكثر خبرة مني. فقد قال يان ليكون، كبير العلماء السابق في “ميتا” والحائز جائزة تورينغ، إن الإنفاق الضخم على نماذج اللغة الكبيرة التي تهيمن اليوم على مجال الذكاء الاصطناعي هو مسار خاطئ. فالذكاء العام الاصطناعي – أو الذكاء الخارق – لا يمكن أن يأتي من هذه النماذج التي هي في جوهرها محركات ترابط ضخمة، بل من التحول إلى ما يُعرف بـ”نماذج العالم”، حيث تُنشئ الآلات نموذجًا “ذهنيًا” للعالم الخارجي.

وإذا كان محقًا، فسيكون ذلك “خطأً فادحًا” لكثير من الاستثمارات الحالية في الذكاء الاصطناعي. وقد تتعلم إنفيديا وبقية العالم مرة أخرى أن بيع الكثير من الجينز والمعاول لا يعني بالضرورة وجود الذهب في أعماق تلك التلال.

المصدر: الغارديان


اقرأ أيضًا:

اترك تعليقا

آخر فيديوهات القناة