ملايين الباوندات من بريطانيا تذهب لبناء مستوطنات في القدس المحتلة

كشفت صحيفة الغارديان عن تحويل مؤسستين خيريتين في بريطانيا الملايين إلى مستوطنة إسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة، بما في ذلك القدس، بموافقة من هيئة تنظيم الجمعيات الخيرية في المملكة المتحدة.
وتُظهر الوثائق أن مؤسسة Kasner Charitable Trust، عبر جمعية وسيطة تُدعى UK Toremet، تبرعت بما يقارب 5.7 مليون باوند لصالح مدرسة دينية تابعة لحركة “بني عكيفا” في مستوطنة سوسيا الواقعة جنوب الخليل، في منطقة تُعتبر جزءًا من مشروع “القدس الكبرى”.
وبحسب تحقيق الصحيفة، ساهمت هذه التبرعات في توسعة المدرسة وزيادة عدد الطلاب والعاملين، ما عزز النمو السكاني في المستوطنة. ويؤكد خبراء أن المدرسة أصبحت واحدة من أبرز مؤسسات التوظيف داخل المستوطنة، وتشكل ركيزة رئيسية لاستمرار وجودها.
تبرعات خيرية بريطانية لمستوطنة إسرائيلية في الضفة الغربية
وتقع سوسيا على أراضٍ فلسطينية احتلتها اسرائيل عام 1986، بعد إعلانها موقعًا أثريًا، ما أدى إلى تهجير سكان قرية خربة سوسيا. وتعتبر منظمات حقوقية، من بينها منظمة العفو الدولية، أن هذه الإجراءات جزء من سياسة تهويد ممنهجة للأراضي الفلسطينية.
وفي حادثة حديثة، تعرّض منزل المخرج الفلسطيني حمدان بلال، أحد صنّاع الفيلم الوثائقي الحائز على جائزة الأوسكار No Other Land، لهجوم من قبل مستوطنين في مارس الماضي.
ورغم أن القانون الدولي يُصنف المستوطنات في الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، على أنها غير قانونية، فإن هيئة الجمعيات الخيرية البريطانية أبلغت جمعية UK Toremet في رسالة عام 2016 أن “التبرع لمدرسة في الأراضي المحتلة يُعد دعمًا للتعليم، وبالتالي يُعتبر تبرعًا مشروعًا ضمن القانون الخيري البريطاني”.
القانون الدولي والموقف البريطاني من المستوطنات الإسرائيلية
لكن هذا الموقف أثار انتقادات داخلية. فقد اعتبرت البارونة سعيدة وارسي، وزيرة الدولة السابقة، أن تمويل مستوطنات غير قانونية عبر مؤسسات خيرية بريطانية يمثل “أمرًا مروعًا”، مضيفة: “من المقلق أن يتم ذلك بأموال دافعي الضرائب، وبموافقة من هيئة يفترض أن تضمن الالتزام بالقانون”.
وأضافت: “يجب اتخاذ إجراءات عاجلة لوقف هذا النوع من التبرعات، خصوصًا أن هذه المستوطنات تُعد خرقًا للقانون الدولي وأداة لتهجير الفلسطينيين”.
أما النائب العمالي آندي ماكدونالد، وهو محامٍ متخصص، فدعا الحكومة البريطانية إلى حظر أي تمويل قادم من داخل المملكة المتحدة يُستخدم لدعم الاحتلال أو أنشطته الاستيطانية، مشددًا على ضرورة سحب الصفة الخيرية من الجهات المتورطة، ومحاسبة المسؤولين قانونيًا.
ورغم أن المخاوف بشأن دعم جمعيات بريطانية للمستوطنات طُرحت في السابق، إلا أن هذه القضية تُعد أول حالة موثقة تُظهر تحويلاً ماليًا بهذا الحجم إلى مستوطنة غير شرعية.
انتقادات من السياسيين البريطانيين لتمويل المستوطنات غير القانونية
وكانت الحكومة البريطانية قد أكدت في عام 2015 أنها طلبت من هيئة الجمعيات الخيرية مراجعة سياسات جمعية UK Toremet. وفي العام التالي، أعلنت الهيئة فتح “ملف رقابي” بحق الجمعية وأصدرت خطة عمل لمتابعة امتثالها.
لكن التبرعات التي بلغت 5.7 مليون باوند استمرت خلال الفترة من 2017 إلى 2021. وعندما أثار محامون القضية مجددًا عام 2022، ردت الهيئة بأنها لا تملك صلاحية التحقيق في قضايا مرتبطة بجرائم حرب، وأحالت المحامين إلى الشرطة.
وتواصل المحامون حينها مع وحدة مكافحة الإرهاب البريطانية (SO15)، التي ردت في مارس الماضي بأنها لن تفتح تحقيقًا جنائيًا، لكنها وعدت بإبلاغ هيئة الجمعيات الخيرية بمخاوفها بشأن تمويل المستوطنات غير القانونية.
وفي بيانها الرسمي، قالت الهيئة: “ندرك أن هذه قضية شديدة الحساسية تحظى بآراء متباينة. نحن ملتزمون بالعمل ضمن الإطار القانوني المحدد لنا، والمجرد من أنشطة الجمعية في الأراضي المحتلة لا يُعد مخالفة في حد ذاته”.
موقف جمعية UK Toremet ودفاعها عن مشروعية التبرعات
وأضافت أنها تُحيل أي قضايا يُشتبه في طابعها الجنائي إلى الجهات المختصة، وأكدت أنها تسعى حاليًا للحصول على استشارة قانونية جديدة من النائب العام البريطاني نظرًا للتعقيدات المرتبطة بالقانون الدولي.
من جانبها، قالت جمعية UK Toremet إنها لا تتبع أي توجه سياسي أو أيديولوجي، وإن التبرعات تمت وفقًا للقانون الخيري البريطاني، مستشهدة برسالة هيئة الجمعيات الخيرية عام 2016 التي وافقت على التبرعات التعليمية.
في المقابل، نفى متحدث باسم مؤسسة Kasner Charitable Trust أي علاقة للمؤسسة بدعم الاستيطان، مؤكدًا أن التبرعات وُجهت إلى مدرسة دينية وليس لمشاريع استيطانية، وأن الهيئة أقرت بشرعية تلك التبرعات.
المصدر: الغارديان
إقرأ أيضًا:
الرابط المختصر هنا ⬇