مقال في بي بي سي: صمت الغرب يُرسّخ ثقافة الإفلات من العقاب ويهدد الأمن العالمي

رغم أن الحروب لا توقف الجنود عن القتل، إلا أن القانون الدولي يهدف إلى ضمان حماية المدنيين وسط المعارك. اتفاقيات جنيف، وبالتحديد النسخة الرابعة التي وُضعت بعد الحرب العالمية الثانية، تنص بوضوح على أن جميع الأطراف المتحاربة ملزمة بحماية المدنيين، دون استثناء.

في مقر اللجنة الدولية للصليب الأحمر (ICRC) في جنيف، تُعرض عبارة كبيرة على قبة زجاجية تقول: “حتى الحروب لها قواعد”.

ضباب الحرب في غزة

الوصول إلى معلومات دقيقة من داخل غزة بات أمرًا بالغ الصعوبة، حيث أنها منطقة حرب نشطة ودامية. ومنذ بدء العدوان، استُشهد ما لا يقل عن 181 صحفيًا وعاملًا في المجال الإعلامي، معظمهم فلسطينيون، وفقًا للجنة حماية الصحفيين. تمنع إسرائيل دخول وسائل الإعلام الدولية إلى القطاع، ما يزيد من حدة “ضباب الحرب”.

وتشير تجربة المراسلين المخضرمين إلى أن توثيق القصص في مناطق الحرب يصبح أكثر صعوبة عندما يُمنع المعاينون المباشرون من الدخول، وهو ما يُعمّق الغموض والمعلومات المتضاربة حول ما يحدث على الأرض.

النظر إلى الحرب من زاوية القانون

في محاولة لفهم ما يحدث وسط تعتيم المعلومات، لجأ صحفيو BBC إلى القانون الدولي الإنساني، وبدأوا من زيارة مقر الصليب الأحمر، باعتباره الحارس الرسمي لاتفاقيات جنيف.

اتهامات متبادلة بارتكاب جرائم حرب

يرى العديد من المحامين أن هناك أدلة على ارتكاب إسرائيل جرائم حرب، وتشمل هذه الاتهامات ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، بل وحتى الإبادة الجماعية.

وتخضع إسرائيل حاليًا لدعوى أمام محكمة العدل الدولية بتهمة الإبادة، بينما يواجه رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو أمر اعتقال من المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب، ما يقيّده من السفر إلى دول عديدة.

أرقام الضحايا في غزة

وبحسب وزارة الصحة في غزة، بلغ عدد الشهداء الفلسطينيين 54,607، فيما أصيب 125,341 شخصًا بين 7 أكتوبر 2023 و4 يونيو 2024. وتشير اليونيسف إلى مقتل 14,500 طفل فلسطيني حتى يناير، ووجود 17,000 طفل يتيم. كذلك تُعد غزة الآن الأعلى عالميًا من حيث نسبة الأطفال مبتوري الأطراف.

ورغم تشكيك إسرائيل والولايات المتحدة في أرقام وزارة الصحة لارتباطها بحماس، إلا أن الأمم المتحدة وجهات دبلوماسية وحتى الاستخبارات الإسرائيلية تعتمد هذه الأرقام، التي ثبت تطابقها مع مصادر مستقلة في حروب سابقة. وقد نشرت مجلة The Lancet دراسة تُشير إلى أن الأرقام قد تكون أقل من الحقيقة، بسبب وجود آلاف الجثث تحت الأنقاض، وآلاف آخرين في خطر بسبب نقص الرعاية الصحية.

حصار وتجويع

فرضت إسرائيل قيودًا مشددة على دخول الغذاء والمساعدات إلى غزة، وبلغت ذروتها بين مارس ومايو، حيث منعت إدخال أي إمدادات. ومع المجاعة التي حدثت في القطاع، تُعد هذه الإجراءات انتهاكًا صريحًا للقانون الدولي الذي يُلزم بحماية المدنيين لا تجويعهم.

خطاب نتنياهو في 7 أكتوبر

وفي نفس يوم الهجمات، وبينما كانت الاشتباكات لا تزال قائمة، ظهر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في خطاب مصور من مركز القيادة في تل أبيب، قائلاً: “سندمرهم وسننتقم بقوة من هذا اليوم الأسود… كل الأماكن التي تنتشر فيها حماس، تلك المدينة الشريرة، سنحوّلها إلى ركام.”

كما شكر نتنياهو الحلفاء مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا على دعمهم “غير المشروط”، وأشار إلى أنه تحدث معهم لضمان “حرية العمل”.

التحريض عبر اللغة

اعتمدت جنوب إفريقيا في قضيتها أمام محكمة العدل الدولية على خطاب الكراهية والتحريض الذي استخدمه مسؤولون إسرائيليون، من بينهم:

• تصريح وزير الدفاع يوآف غالانت: “لن يكون هناك كهرباء، لا طعام، لا وقود… نحن نقاتل حيوانات بشرية”.
• تصريحات أخرى لجنود إسرائيليين قالوا فيها: “لا أحد بريء في غزة… كلهم يدعمون حماس”.

منصة العرب في بريطانيا AUK

ووفقًا لمنصة العرب في بريطانيا (AUK)، فإن ما ورد في هذا التقرير يُعزز القلق المتصاعد بشأن استخدام القانون الدولي كأداة انتقائية تُطبّق على دول وتُعفى منها أخرى. وتؤكد AUK أن صمت الدول الغربية، لا سيما الحلفاء المقربين من إسرائيل، أمام هذه الانتهاكات الخطيرة يُساهم في ترسيخ ثقافة الإفلات من العقاب، ويقوّض مبادئ العدالة الدولية ويهدد بتكرار المجازر بحق المدنيين في مناطق نزاع أخرى حول العالم. كما تدعو المنصة إلى تحرك قانوني دولي جاد وشامل، يُنهي ازدواجية المعايير في التعامل مع جرائم الحرب.

المصدر: بي بي سي 

إقرأ أيضًا:

• أطباء في غزة يتبرعون بدمائهم لإنقاذ المرضى وسط الحصار
• عيد الأضحى بين شوارع لندن وأنقاض غزة.. هل نفرح وحدنا؟
• موافقة البرلمان على مناقشة تورط بريطانيا بالإبادة في غزة