العرب في بريطانيا | مسيرة السبت كشفت عنصرية بحتة وحزب العمال عاجز ع...

1447 جمادى الثانية 16 | 07 ديسمبر 2025

مسيرة السبت كشفت عنصرية بحتة وحزب العمال عاجز عن المواجهة

مقالArtboard-2-copy-4_2 (5)
دايان آبوت September 15, 2025

شاركتُ في كثير من المسيرات السياسية في حياتي، لكن مسيرة السبت الماضي، التي جاءت في مواجهة مسيرة تومي روبنسون الضخمة تحت شعار “توحيد المملكة” بمشاركة نحو 110 آلاف شخص في لندن، كانت المرّة الوحيدة التي شعرتُ فيها فعلًا بالخطر على سلامتي.

كنت ضمن المسيرة المناهضة للعنصرية، وكنا أقل عددًا بنسبة عشرين إلى واحد. كان ذلك صادمًا؛ فالمعتاد في المسيرات المناهضة للعنصرية أن نفوق العنصريين عددًا بكثير. مسيرة روبنسون، واسمُه الحقيقي ستيفن ياكسلي-لينون، قُدِّمت على أنها “مسيرة لحرية التعبير”، لكن “حرية التعبير” هناك بدت وكأنها تعني شيئًا واحدًا: الهجوم على المهاجرين.

بعض المعلّقين يهوّن من شأن حشود كهذه ويصفها بأنها مجرد تنفيس لأناسٍ شعروا بالتهميش. لكن لو كانوا في قلب لندن يوم السبت ورأوا بحر الرجال (وكانوا في معظمهم رجالًا) يلوّحون بأعلام القديس جورج بعناد، بعضهم يهاجم الشرطة وآخرون يتفلون على أشخاص مثلنا، لربما غيّروا رأيهم. هؤلاء عادةً يغضبون إذا وُصفوا بالعنصرية، لكن ما الكلمة الأخرى التي يمكن أن نصف بها من تجمعوا في العاصمة يطالبون بالترحيل الجماعي ويصورون الرجال السود والسمْر كتهديد وجودي للنساء البيض؟

اللافت في هذه المسيرة، إلى جانب ضخامتها، أن الملياردير إيلون ماسك خاطب المشاركين عبر رابط فيديو. قد يكون رجل أعمال ناجحًا، لكن فهمه للنظام السياسي البريطاني بدا هشًّا. قال للمشاركين: “العنف قادم إليكم، إما أن تقاتلوا أو تموتوا”، وأضاف: “لا بد أن يحدث تغيير في الحكومة البريطانية… يجب حلّ البرلمان والدعوة لانتخابات جديدة.” وهذا ببساطة ليس من تقاليد الممارسة الديمقراطية في المملكة المتحدة.

لقد ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي في تعبئة هذا الحشد غير المسبوق، إذ باتت التعبئة الرقمية اليوم أسهل من أي وقت مضى. لكننا، حين ناقشنا ما جرى ضمن مسيرتنا المناهضة للعنصرية، شعرنا أن هناك شيئًا مظلمًا يتصاعد في عمق المجتمع البريطاني. فالمنظمات التي تدعم ضحايا جرائم الكراهية تقول إن الحالات في ارتفاع حاد. الحوادث القبيحة تتكاثر. ففي الأسبوع المنقضي، في ويست ميدلاندز، وردت تقارير عن اغتصاب امرأة سيخية في وضح النهار على أيدي رجالٍ بيض صرخوا فيها: “أنتِ لا تنتمين لهذا البلد، اخرجي.”

إحدى المشكلات في ردّنا على جرائم الكراهية العرقية هي أن الفئات التي يُنتظر منها أن تتبنى القضايا التقدمية تتردّد في تسميتها بما هي عليه. النقابات العمالية ترفع لافتاتها في المسيرات المناهضة للعنصرية، لكنها تصمت غالبًا حين يحين وقت المواجهة الفعلية. ربما لأن قادتها يظنون أن بعض أعضائهم يحملون آراء عنصرية، فيخافون استفزازهم.

أما حزب العمّال، فيبدو أنه يلتفّ على نفسه ليتهرّب من الحديث عن العنصرية. استغرق الأمر حتى عصر الأحد ليخرج كير ستارمر معلّقًا على ما جرى، قائلًا لصحيفة الغارديان: “لن نقبل أبدًا أن يشعر الناس بالترهيب في شوارعنا بسبب خلفياتهم أو لون بشرتهم.” لكن قبل ذلك، كان وزير الأعمال والتجارة بيتر كايل قد صرّح للصحافة بأن المسيرة “لا تثير قلقي، لأنها دليل على أن حرية التعبير والتجمع بخير في هذا البلد.”

ربما يرى العمّال أن هذه استراتيجية لتجاوز حزب “ريفورم” من اليمين. لكن الواقع يقول إن هذه المقاربة المعادية للمهاجرين لم تفد الحزب، بل أضرّت به. فقد كشف مسح انتخابي شمل أكثر من 30 ألف مشارك في الشهر نفسه الذي ألقى فيه ستارمر خطاب “جزيرة الغرباء” أن الجمهور استنتج أن حزب العمّال انزاح يمينًا في ملف الهجرة، لكن هذا الانزياح لم يجلب أي مكاسب انتخابية. قال أحد الباحثين المشاركين في الدراسة: “النتيجة الحقيقية هي أن الخطاب أضرّ بالعمّال؛ خسروا أصواتًا من دون أن يكسبوا أي دعم من الفئات التي حاولوا استمالتها أو أن يحدّوا من جاذبية ريفورم.”

بريطانيا عرفت سياسات معادية للهجرة عبر أجيال. مهاجرو الكاريبي بعد الحرب تعرّضوا للمضايقات والاعتداءات على أيدي من يشبهون أتباع روبنسون اليوم. الفارق الآن هو منظومة سامة على وسائل التواصل ومليارديرات أمريكيون مستعدون علنًا لدعم هؤلاء.

لكن إذا أردنا أن نوقف هذا العنف وهذه الكراهية، فعلينا أولًا أن نسمّي العنصرية باسمها. الصمت عن العنصرية المتأصلة في أحداث مثل مسيرة روبنسون لا يُفسَّر إلا كموافقة ضمنية على رسالتها، ويشجّع مزيدًا من هؤلاء الذين يلتفون بأعلام القديس جورج على مهاجمة الشرطة. تجاهل الطابع العنصري لهذه الهجمات يترك الضحايا وحدهم بلا حماية، والتخفيف من وصفها لا يخفف من حدتها بل يفاقمها.

لا شك أن مسيرة هذا الأسبوع كانت جزئيًا تعبيرًا عن تهميش ومعاناة مجتمعات فقدت صناعاتها وفرصها. لكن إذا لم نواجه خطاب روبنسون وجمهوره مواجهة صريحة، فسوف نرى مسيرات أكبر وأعنف في شوارع لندن. علينا أن نقول بصوت عالٍ وواضح إن حجج روبنسون مرفوضة، وخاصة من قبل هذه الحكومة العمالية.

 

المصدر: الغارديان

اترك تعليقا

آخر فيديوهات القناة