تشير دراسة حديثة أجرتها جامعة أكسفورد إلى أن التحولات في الأدوار الجندرية، وزيادة الفرص المهنية للنساء، وتغير الديناميكيات الأسرية تسهم بشكل كبير في تراجع معدلات الإنجاب في المملكة المتحدة. وأظهرت الدراسة، التي قادتها الدكتورة بولا شيبارد، محاضرة في علم الإنسان التطوري، أن فجوة الخصوبة – الفرق بين عدد الأطفال الذين يرغب الأشخاص في إنجابهم وعدد الأطفال الذين ينجبونهم فعليًا – تبلغ حوالي 0.3 طفل.
فجوة الخصوبة وأسبابها
تشير الإحصاءات إلى أن لكل ثلاثة أطفال يرغب الأشخاص في إنجابهم، يولد طفلان فقط. وأوضحت الدراسة أن السبب الرئيسي لهذا التراجع يعود إلى تأخير بدء تكوين الأسر حتى مراحل لاحقة من الحياة.
العوامل المؤثرة في قرارات الإنجاب
اعتمدت الدراسة على تجارب اختيار منفصلة لفهم العوامل التي تؤثر على قرارات الإنجاب. وشارك في البحث رجال ونساء لديهم رغبة في إنجاب طفل أو آخر، وتم تقديم سيناريوهات افتراضية لهم تتضمن اختلافات في دعم الشريك، والتكاليف المهنية، والوضع المالي، وتوقيت ولادة الطفل.
بالنسبة للنساء الحاصلات على تعليم جامعي، يبدأ التفكير في أهمية توقيت الإنجاب عند سن 33 عامًا، مما يبرز التحديات المتعلقة بالوقت المحدود للإنجاب. تُظهر هذه المجموعة استعدادًا للتخلي عن سبع سنوات من فترة الإنجاب للحصول على شريك داعم.
أما النساء غير الحاصلات على تعليم جامعي، فهن يفضلن العلاقات المستقرة والأمان المالي، مع استعداد للانتظار 10 سنوات وسبع سنوات على التوالي لتحقيق هذه الأولويات.
الرجال الحاصلون على تعليم جامعي يركزون بشكل أساسي على جاهزية شريكاتهم للإنجاب، بينما يولي الرجال غير الحاصلين على تعليم جامعي أهمية كبيرة للعيش في أحياء صديقة للأطفال.
دور السياسات في تضييق فجوة الخصوبة
أوضحت الدكتورة شيبارد أن تضييق فجوة الخصوبة يتطلب سياسات متعددة تتناسب مع احتياجات الأفراد المختلفة. وأكدت أن شبكات الدعم، سواء من الشركاء أو العائلة أو الأصدقاء، تلعب دورًا مهمًا في اتخاذ قرارات الإنجاب.
واقترحت أن تساعد الدولة في تخفيف العوائق أمام الإنجاب من خلال جعل بيئة العمل أكثر توافقًا مع متطلبات رعاية الأطفال. وقالت: “يمكن تحقيق ذلك من خلال توفير مرافق رعاية أطفال مدمجة داخل الشركات، دون تحميل الأهل أي تكاليف إضافية، مما يقلل من العقوبات التي يواجهها الآباء ويمنحهم فرصة لتحقيق حجم العائلة الذي يرغبون فيه، ما قد يساهم في تقليص فجوة الخصوبة.”
تحديات أمام الحلول
رغم ذلك، أشارت الدكتورة شيبارد إلى أن الدول التي توفر رفاهية حكومية أفضل، مثل الدول الإسكندنافية، لا تزال تعاني من معدلات خصوبة منخفضة. وأضافت أن هذا يشير إلى تعقيد المشكلة وضرورة تبني حلول أكثر شمولية تأخذ في الاعتبار مجموعة واسعة من العوامل الاقتصادية والاجتماعية.
تظهر هذه النتائج أهمية مراجعة السياسات المتعلقة بالأسرة والعمل لدعم الأفراد في تحقيق التوازن بين الحياة المهنية والعائلية، مما يعزز القدرة على إنجاب الأطفال ويقلل من فجوة الخصوبة في المملكة المتحدة.