لماذا تسعى بريطانيا لامتلاك قنابل نووية أميركية الآن؟

أعلن رئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر، خلال قمة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، عن خطوة عسكرية كبرى تعيد بريطانيا إلى مشهد التسلح النووي الجوي، وذلك عبر شراء سرب من مقاتلات الشبح الأمريكية من طراز F-35A، القادرة على حمل قنابل نووية من طراز B61-12، إلى جانب تسليحها التقليدي.
وبهذا الإعلان، تُمهّد بريطانيا الطريق لعودة القنابل النووية الأمريكية إلى أراضيها للمرة الأولى منذ انسحابها عام 2008، في خطوة تثير أسئلة استراتيجية وأمنية حول التوازن النووي في أوروبا، وجدوى هذا التحول في ضوء التوترات الدولية المتصاعدة.
مقاتلات أمريكية.. وسلاح نووي “مشترك”
المقاتلات الجديدة، التي تصنعها شركة “لوكهيد مارتن” الأمريكية العملاقة، ستُتمركز في قاعدة سلاح الجو الملكي البريطاني في مارهم – مقاطعة نورفولك، وهي ذات القاعدة التي كانت تضم سابقًا منشآت تخزين للأسلحة النووية من طراز WE177، والتي أُخرجت من الخدمة في عهد حكومة توني بلير عام 1998.
لكن رغم أن الطائرات ستكون تحت سيطرة القوات الجوية البريطانية، فإن القنابل النووية التي ستحملها ستظل مملوكة رسميًا للولايات المتحدة، بموجب اتفاقيات منع انتشار الأسلحة النووية، في إطار ترتيبات تُعرف بـ”المشاركة النووية”، وهي آلية معمول بها داخل الناتو منذ الحرب الباردة، وتشمل دولًا مثل ألمانيا، بلجيكا، هولندا، إيطاليا وتركيا.
وتنص هذه الآلية على أن التحكم الفعلي في استخدام القنابل النووية يظل بيد الرئيس الأمريكي، فيما يتولى الطيارون من الدولة المضيفة تنفيذ المهام عند الحاجة، على أن يُستصدر تفويض مسبق من مجموعة التخطيط النووي في الناتو، إضافة إلى موافقة مشتركة من رئيس وزراء بريطانيا والرئيس الأمريكي، وهو ما يظل موضع جدل في حال وقوع أزمة كبرى يصعب معها انتظار الإجراءات السياسية.
عودة القنابل الأمريكية إلى بريطانيا
تمثّل هذه الخطوة عودة فعلية للأسلحة النووية الأمريكية إلى الأراضي البريطانية، بعد سحبها من قاعدة ليكنهيث في مقاطعة سوفولك عام 2008، والتي كانت آنذاك بؤرة احتجاجات جماهيرية استمرت لعقود، لا سيما في قاعدة غرينهام كومون.
ورغم تكتم وزارة الدفاع البريطانية الدائم بشأن مواقع تخزين الأسلحة النووية، إلا أن الترجيحات تشير إلى أن القنابل الجديدة ستُخزّن في قاعدة مارهم، نظرًا لبنيتها التحتية القائمة.
وقد تكون قاعدة ليكنهيث – التي تُعد فعليًا قاعدة أمريكية – خيارًا بديلًا، خاصة وأن منشآتها تشهد حاليًا أعمال تطوير لتحديث خزائن التخزين النووي، ضمن برنامج أمريكي منفصل.
ما الفرق عن “ترايدنت”؟ وهل هناك حاجة لسلاح نووي جديد؟
يُعد برنامج ترايدنت النووي، القائم على غواصات تحمل صواريخ نووية بعيدة المدى، عماد الردع الاستراتيجي البريطاني، وهو مصمم للاستخدام فقط في حال وقوع هجوم نووي شامل يدمر المملكة المتحدة. وتحمل كل غواصة ما يقارب 40 رأسًا نوويًا، بقوة تدميرية تفوق قنبلة هيروشيما بستة أضعاف.
لكن في السنوات الأخيرة، تزايدت المطالب داخل الأوساط العسكرية الغربية بإدخال ما يُعرف بـالأسلحة النووية التكتيكية أو تحت الاستراتيجية، والتي تُستخدم في ساحات المعارك ضمن سيناريوهات محدودة.
وتأتي قنبلة B61-12 في هذا السياق، إذ تُعد قنبلة جاذبية تُسقط من الجو، وتتوفر بأربعة نماذج، ثلاثة منها أقل قوة من قنبلة هيروشيما (0.3، 1.5، 10 كيلوطن)، والرابع يعادل 50 كيلوطن. وتتميّز بأنها أقل تدميرًا وشديدة الدقة، مما يجعلها “قابلة للاستخدام” – على حد تعبير بعض المخططين – دون أن تجر العالم إلى حرب نووية شاملة.
تكاليف ضخمة.. ولا مشاورات برلمانية معلنة
التكلفة الفعلية للصفقة لا تزال غير معلنة بالكامل. وتُقدّر قيمة المقاتلة الواحدة من طراز F-35A بين 75 و80 مليون جنيه إسترليني، ما يعني أن قيمة السرب تصل إلى 900 مليون جنيه على الأقل. ولم تُعلن بعد تكاليف تحديث منشآت التخزين النووي في مارهم أو غيرها.
وفي الوقت الذي يتوقع فيه أن تتجاوز الاستثمارات النووية البريطانية حاجز 100 مليار جنيه خلال العقد المقبل، لم تُطرح هذه الخطوة حتى الآن للنقاش البرلماني، على خلاف ما كان يحدث عادة عند تجديد منظومة “ترايدنت”.
من الردع إلى التصعيد؟
يثير القرار البريطاني تساؤلات حول تحوّل لندن من استراتيجية “الردع الكامل” إلى جاهزية “الردع الجزئي” عبر سلاح نووي يمكن استخدامه ميدانيًا، لا سيما في ظل اتساع الفجوة بين مساعي نزع السلاح التي تتراجع تدريجيًا، وسباق التسلح النووي الذي يشهد تناميًا عالميًا مقلقًا.
وفيما تتأهب القواعد العسكرية البريطانية مجددًا لاستقبال القنابل النووية، يبقى السؤال:
هل تعود بريطانيا إلى مشهد الحرب الباردة بوجه جديد؟ أم أن التهديدات المستجدة فرضت واقعًا نوويًا؟
نرى أن تعزيز القدرات النووية لا ينبغي أن يُناقش بمعزل عن الرأي العام البريطاني، ولا عن الأثر القانوني والأخلاقي لمثل هذه الخطوات، لا سيما في ظل الغموض المحيط بعدم عرض الصفقة على البرلمان، وغياب الشفافية بشأن التكلفة والمخاطر الإستراتيجية.
كما تدعو AUK إلى نقاش وطني مفتوح يوازن بين ضرورات الأمن القومي البريطاني، والتزامات المملكة المتحدة في الحد من انتشار الأسلحة النووية، والتزاماتها الأخلاقية تجاه الاستقرار الدولي.
المصدر: الجارديان
اقرأ أيضًا:
الرابط المختصر هنا ⬇