كيف استقبلت بعض وسائل الإعلام خبر رئاسة محمد علي حراث لصحيفة تريبيون؟

لم تمضِ ساعات على إعلان الدكتور محمد علي حراث توليه رئاسة مجلة تريبيون، حتى أطلقت بعض المنصات اليمينية حملة مدروسة لمحاولة التشكيك في أهلية الرجل، مستخدمة أدوات باتت مألوفة: اللعب على وتر الهوية الدينية، والإشارة المبطنة إلى “التهديد الإسلامي”، وربط المسار الإعلامي لحراث باتهامات سياسية سقطت قانونيًا، لكنها لا تزال تُستحضر عند الحاجة للشيطنة.
صحيفة التلغراف: منبر أورويل “تحت السيطرة الإسلامية”؟
في تقريرها الذي حمل عنوانًا ملغومًا: “مجلة جورج أورويل تقع تحت سيطرة مؤسس قناة إسلامية”، لم تناقش صحيفة The Telegraph الكفاءة المهنية لحراث، ولا خطة تطوير المجلة، ولا حتى تشكيلة مجلسها التحريري الجديد، بل اختارت التركيز على خلفيته الدينية، في خلط متعمد بين الإسلام كديانة، والإسلام السياسي كفزاعة إعلامية.
كما أعادت التلغراف التذكير بتهم قديمة أُسقطت عن حراث رسميًا، لكنها لم تذكر أن تلك التهم كانت مسيّسة، وقد ارتبطت بكونه معارضًا ديمقراطيًا لنظام زين العابدين بن علي في تونس، حين كانت المعارضة تُعامل كمجرمة.
فهل يعقل أن تُستخدم صفة “لاجئ سياسي” في بريطانيا كوصمة بدلاً من أن تكون وسامًا يكشف نضال الإنسان ضد الدكتاتورية؟
📰 GB News: القلق من “عدم الانسجام” مع تقاليد اليسار

أما قناة GB News، التي طالما احتفت بأصوات اليمين القومي وتيارات مناهضة المهاجرين، فقد اعتبرت رئاسة حراث “مفارقة غريبة” نظراً لتوجهاته الإسلامية، زاعمة أن خط قناة إسلام تشانل قد لا ينسجم مع إرث جورج أورويل.
لكن هذا الطرح يتجاهل أن أورويل نفسه لم يكن ليرضى بإقصاء أي صوت بدعوى الدين أو الأصل العرقي، بل كان من أشد المدافعين عن حرية التعبير، حتى في أشد لحظات الخلاف الأيديولوجي. فهل يُعقل أن يُستخدم اسم أورويل لتبرير إقصاء من يحمل راية التعبير الحر؟
📰 ImArabic: محاولة ربط حراث بحركات سياسية لتقزيم الإنجاز
وفي محاولة مكشوفة لتأطير التغيير داخل سياقات أيديولوجية محددة، نشر موقع ImArabic مقالًا تحت عنوان: “الإخوان التونسيون والسيطرة على تريبيون: بوصلة جديدة لتنظيم مأزوم”. وهو طرح يفتقر إلى الدقة والموضوعية، ويعكس أسلوب “المصادرة بالربط”، إذ لا يقدم أدلة على مزاعم الارتباط، بل يستخدم الخلفية الإسلامية لحراث كمبرر لسحب الشرعية من المنجز.
لكن اللافت في هذا الطرح أنه يتجاهل بُعدًا مركزيًا: أن تريبيون لا تُدار بشخص واحد، بل بمجلس تحرير واستشاري متنوع، يضم نقابيين ويساريين ومفكرين معروفين باستقلالهم، ما يجعل مخاوف “السيطرة” لا تتعدى كونها فزاعات تخدم خطاب التخويف من الآخر.
⸻
تفنيد وتذكير: ما الذي يزعجهم حقًا؟
• هل المشكلة أن حراث مسلم؟
لا يُقال ذلك صراحة، لكن كل العناوين والتلميحات تدور حول هذه النقطة. وكأن نجاح مسلم في قيادة مؤسسة بريطانية مرموقة لا يزال يُعد تهديدًا، لا فرصة. وهذه نظرة تعكس عنصرية كامنة، وإن تم تغليفها برداء “الحرص على التقاليد”.
• هل المشكلة أنه مهاجر؟
رغم أن بريطانيا قامت على أكتاف المهاجرين، ويقودها اليوم أبناء وأحفاد مهاجرين في كل قطاع، إلا أن مهاجرًا عربيًا ومسلمًا ما زال يُعامل بريبة إن اقترب من مركز تأثير.
• هل يخشون على خط المجلة؟
المجلة تُدار اليوم عبر مجلس متنوع، وتحت إشراف محرر مستمر في عمله، وبحضور نقابيين معروفين. أما مشروع حراث فهو تطويري، لا استبدالي. والحديث عن تغييرات جذرية في الخط التحريري مجرد تهويل يهدف للتخويف والتشويش.
⸻
العرب في بريطانيا: خطاب الشك لا يجب أن يُقرر مصيرنا
إن ما يحدث اليوم ليس خلافًا حول مشروع إعلامي، بل هو صراع رمزي على من يملك الحق في الحضور والتأثير داخل مؤسسات النخبة.
تولي محمد علي حراث رئاسة تريبيون هو انتصار لكل من يؤمن بأن الكفاءة تتجاوز العرق والدين والخلفية، وأن الإعلام البديل لا يمكن أن يظل حكرًا على نخب فكرية تقليدية.
لقد آن الأوان لنكسر هذه الحلقة، ونحتفل بإنجازاتنا لا أن نخجل منها. فوجود حراث على رأس تريبيون هو رسالة فخر للعرب والمسلمين في بريطانيا، ورسالة أمل للجيل القادم: أن لا سقف لأحلامكم حين تمتلكون المشروع والكفاءة والنية الصادقة.
إقرأ أيضًا:
الرابط المختصر هنا ⬇