العرب في بريطانيا | كتب قرأتني.. تجارب متعمقة في عالم الأدب

1446 ربيع الأول 12 | 16 سبتمبر 2024

كتب قرأتني.. تجارب متعمقة في عالم الأدب

IMG-20240831-WA0014
عادل يوسف August 31, 2024

مما وقفت عليه مؤخرًا من بضاعة النحويين قولهم: “إذا حُذف المفعول أُطلق المعنى”. أي أن جملة فعل الأمر يجب أن تتضمن الأمر والمفعول به، كقولك: افتح الباب أو كُلِ التفاحة… إلخ. فالجملة هنا واضحة لا شِيَةَ فيها، يعرفها السامع من أول وهلة.

لكن هب أنك قلت لي: “افتح”، ولم تُكمل. هنا تنطبق القاعدة أعلاه بإطلاق المعنى، أي افتح كل شيء، افتح الباب، افتح النافذة، افتح الكتاب… وهكذا دوالَيك.

عند تطبيق الدرس على سورة العلق، لاحِظ أن المولى جلّ وعلا قد أمر وحذف المفعول به فقال: “اقرأ”، ولم يذكر في كل الآيات بعدها ماذا نقرأ بالتحديد. عندئذ يقول العلماء: أي اقرأ كل شيء، فتقرأ القرآن كونه مسطورًا، وتقرأ الكون قرآنًا منظورًا.

استنادًا إلى ما سبق، هيَّأت لك توصيات لكتب قرأتني قبل أن أقرأها، وقلّبت صفحاتي قبل أن أُقلّبها. قوائم تربّعت بجدارة واستحقاق على عرش الأفضل بالنسبة إلي، وما أذكر أني لمزت صديقًا ولا غريبًا إلا وأمليت عليه فضل إحداها، إن لم يكن جميعها. ولئن مضيت إلى قابل لأُعيدنّ ترشيحها؛ لما لها من أهمية جليلة وفائدة عظيمة.

شبهات عن الإسلام ولك القرار

“العقل الذي يطلب برهانًا على وجود الله، هو عقل فقد التعقّل، كمن يسير في رابعة النهار ويقول: أثبت أن الدنيا نهار؟! النور يكشف لنا الأشياء ويدلنا عليها”.
-مصطفى محمود

الكتاب الأول للشقيق الأصغر لطيب الذكر الشهيد سيد قطب الدكتور والمفكر محمد قطب، عليهما رحمات المولى.

من أمتع ما قرأت منذ مدة كتاب الشيخ قطب، إذ سنّ الدكتور سُنّة حسنة، ببيان حقائق الإسلام وتوضيحها بأسلوب يَسيرٍ سَلِس يفهمه المبتدئ، ويقرّه الموغل المتخصص.

إذ يقول: لو لم يكن للعقيدة مهمة تؤديها في حياة البشر، إلاّ هذا الأمن الذي يجده الإنسان في رحاب الله وهو يتوجه إليه بأعماله، ويقاوم قوى الشر والطغيان ابتغاء مرضاته، ويكدح ليُعمّر الأرض؛ تنفيذًا لإرادته وانتظارًا لمثوبته، لكفى بذلك مبررًا للتمسك بالعقيدة والتزود منها بخير زاد.

فالموقف الذي انتهجه الشيخ هو الهجوم لا الدفاع، موقف التبيين والتوضيح، لا موقف الرد على كل ناعق، ولا إجابة عن تساؤلات مهرطق عن صلاحية الإسلام وإمكان تطبيقه في الوقت الراهن.

فالإسلام دين واضح، ينبغي للمستشكل أن يرتقي ليفهم مبتغاه، لا أن يهبط هو بجلالة قدره إلى وحول الأفّاكين والمتخبّطين، ولأن الوقوف عند بعض الشبهات قد يعطيها لونًا من الأهمية.

وقد أوصى رحمه الله ألا يُطبع لكتابه نسخ جديدة بقوله: إن الإسلام ليس في قفص الاتهام، وإنه أكبر من أن يرد على كل زنديق.

الكتاب الآخر هو للشيخ الدكتور توفيق بن خلف الرفاعي، كتاب يمتاز بمخاطبة الفكر، زاخر بالبراهين العقلية والحقائق العلمية، التي تُجيب عن المسائل الرائجة والشبهات الشائكة ضد الإسلام بكل موضوعية وحيادية.

يحتوي الكتاب على قصص حقيقية عايشها المؤلف إبّان إقامته في فرنسا مع نخبة من مثقفي الغرب، الذين طالبوه بأجوبة تخضع لمنطق العقل، لا من القرآن ولا من الكتب السماوية.

لكل شيء خالق، فمن خلق الله؟ لماذا الإسلام هو الأفضل دون غيره من الأديان؟ أليس الله بقادر على حفظ الإنجيل كما حفظ القرآن؟!

أيُعقل أن يكون الرئيس الأمريكي أبراهام لينكولن –محرر العبيد- أفضل من الرسول عليه الصلاة والسلام؟ وما الفرق بين نظرة الإسلام ونظرة العم سام للرق؟
الإسلام في مواجهة الرأسمالية، أيهما ظلم المرأة؟!.. إلخ.

إن حاصرتك تلك الإشكالات، وقضّت مضجعك هذه التساؤلات، وأحالت دون صفاء يومك تلكم المُعضلات، فدونك هذَين الكتابَين، ففيهما فجاهد، وإلاّ فإنّي لا أخالك ناجيًا يا ابن آكلة العصيد.

القوقعة

“لو كان هناك إله، لَتَحتَّمَ عليه أن يتوسل إليَّ كي أسامحه!”
-عبارة وُجدت مكتوبة على جدران معتقل نازي.

أدب السجون وما أدراك، المكان الوحيد الذي تتساوى فيه المتناقضات: الموت والحياة، الليل والنهار، الكرامة والمهانة. السجن هو البقعة التي ترتطم عندها القيم، وتسقط حولها الأقنعة، وتظهر في أول ليلة من لياليها أنياب الحمَل الوديع.

أسوأ ما في السجن أن تفقد احترامك لذاتك، كما يقول الروائي أيمن العتوم؛ لأنك إن فعلت صارت رقبتك بيد جلّادك، وصرت تتقبل منه اللطمة في وجه الكرامة على أنها قُبلة في خد الرضا.

السجن لفظ دال على حرمانك من حريتك، بناء شُيّد ليُجرّدك من إنسانيتك. في السجن تُوأَد الأحلام، وتُنتهَك الكرامات. للسجّان وظيفتان رئيستان: أن يطارد ظلك، وأن يحول دون إرادتك. لا أذاق الله ساجدًا طعم الجدران المصمتة.

مصطفى خليفة شاب في ربيع العمر، ما إن حطّت رحاله أرض الوطن بعد سنوات عجاف في باحات القارة العجوز، مُحمَّلًا بالآمال والخبرات، حتى طوّقته أجهزة الأمن من كل جانب، وزجّت به في غياهب الظلمات، دون تهمة معلنة، فتارةً بانتمائه لجماعة الإخوان المسلمين وهو المسيحي! وتارةً بطُرفة ألقاها على رأس الهرم في إحدى ليالي السمر الباريسية، تلقفتها أيدي الوشاة، ومررتها خلسة لأذرع النظام الديكتاتوري.

“القوقعة” رواية تُناقش بجرأة ما يجري في دهاليز سجن تدمر الصحراوي، الواقع شمال شرق العاصمة السورية دمشق، بناه الفرنسيون أيام الاستخراب إسطبلًا للخيل، ثم تحوّل بعد ذلك لأحد أسوأ الأماكن سمعة في دنيا الأرض على يد الأسد وزبانيته.

14 سنة أمضاها ابن خليفة بين الأنّات والصرخات، بين أنين المكلومين وصيحات المقهورين.

يسرد يومياته وهو الباحث عن بصيص أمل من خلال التلصص على الخارج بواسطة ثُقب أحدثته عوامل شتى في الجدار المهترئ، وعندما غادر أصبح يتلصص إلى الداخل داخل ذاته، كما يقول عن نفسه: “هناك شيء في داخلي يرفض الفرح، يرفض لأنه لا يستطيع أن يقفز فوق جدار عالٍ وصلد من الحزن المتراكم طوال تلك المدة”.

طالعت آلام “غوانتنامو”، ووقفت على مُصاب إخواننا في سجون تل أبيب، وحزنت كثيرًا لما حلّ بأهلنا في “أبو غريب”، وأتاني نبأ “تزمامرت” وهالَني تكدس المعتقلين في “جيتاراما” في رواندا، وأزاح النوم عن جفني سجن “قارا”، قلعة بلا أبواب ولا نوافذ!

ومع ذلك، أؤكد ألَّا شيء كـ “تدمر” سجن الخارجُ منه كالداخل فيه، كلاهما فقد عنصر الدهشة في الحياة.

بين دفتي القوقعة ستستشعر نِعمًا ما كنت مدركها، كأن تقف على قدميك مثلًا وقت ما أردت، ماء نظيف صالح للاستخدام، وسادة في الليل تحت رأسك، نعمة إغلاق باب الخلاء وأنت تقضي حاجتك، نعمة مناداتك باسمك لا بـ (410)! ربما ستنال بعضها أو أكثر، لكنها بلا ريب ستُجيبك عن السؤال الوجودي: لماذا خلق الله النار؟!

وليُتبِّروا ما علَوا تتبيرا

من الشائن الحديثُ أيام الطوفان عن شيء غير الطوفان. من أفضل الأسفار التي تناولت أهم قضايا الإنسان المسلم اليوم.

أزعم أن الكتاب يُعَدّ “أ” “ب” قضية فلسطينية؛ فهو يُفنّد الأقاويل والافتراءات التي لُفِّقت عن الأراضي المقدسة. نسجه الدكتور عمر الأشقر بمِداد من أمل؛ ليكون نبراسًا لكل تلك الضمائر التي وقفت عاجزة على شفير المعابر بين مطرقة المجرمين وسندان الخائنين.

اسم الكتاب وحده يأخذ بتلابيب كل من لامس القرآن شغاف قلوبهم، وعاشوا محنة فلسطين بكل أبعادها، يرقبون الفتح المبين الذي يُعيد للإسلام مجده، ويتوج من جديدٍ عِقده، باجتماع المساجد الثلاثة تحت راية الإسلام والمسلمين.

الكتاب يتطرق لتساؤلات عدة على غرار: ما المقصود بـ(يهودي)؟ ومن هم الذين هادوا؟ من هو إسرائيل؟ ومن هم بنوه؟ وما أصل المفردة؟ ومن المخاطب في قوله تعالى: (ادخلوا الأرض المقدسة.. ) [المائدة:21]؟

سيُحيلك الكتاب إلى نبش الماضي وتفقد أسباب الضياع، ابتداءً بمحاولات إغراء السلطان عبد الحميد قبل أفول شمس الدولة العثمانية، مرورًا بسياسة الأرض المحروقة، وأولى إمارات التطبيع في العصر الحديث “ماكو أوامر”، وانتهاءً بالسؤال القديم المتجدد: هل باع الفلسطينيون أرضهم؟!

دموع الملح!

“أدركت مؤخرًا أن الملح الكثير في الحساء، كان وراءه دموع أمي”.

تدور أحداث الرواية في الجانب الآخر من بلاد صانعي الأشكال الهندسية، بلاد الحب والحرب، الموضة والجمال، البلاد التي احتضنت قُبلات “چوليت” وهدّأت من روع “باچيو” وشهدت على أراضيها ولادة “چوتشي”، و”ميكافيلي” و”روبيرتو دي نيرو”.

هناك في الضاحية الجنوبية من الساحل الإيطالي، أكثر الوجهات شيوعًا لمن أدارت لهم الحياة ظهرها، في جزيرة لامبيدوزا أول يابسة تَطَؤُها أقدام المهاجرين بعد رحلة الموت.

كرّس الدكتور بترو بارتولو وقته وجهده لِلَمْلمة دهشة الواصلين، وترميم جراح المُتعبين، لما يزيد على ربع قرن.

الكتاب عبارة عن سيرة ذاتية لواحدة من أسوأ المآسي المسكوت عنها في زماننا، كما تُعلق الأديبة بثينة العيسى؛ “دموع الملح” هو بورتريه أدبي حميم، لرجل استثنائي رسالته واضحة: “لن نسمح لمخاوفنا أن تحكمنا”.

يقول كاتب الرواية: “وظيفتي هي معالجة جراح الجسم وآلام الجسد، أبذل كل ما بوسعي بما يتوفر لي، لكن ما يضيق له صدري، أنه لا جراحة بوسعي إجراؤها لشفاء الروح من معاناتها، لعلاج الآلام التي لا أستطيع رؤيتها!”.

يكمل: “بينما كنت أنظر ذات يوم إلى جموع الطيور المرفرفة في السماء، شعرت وكأني أرى وجوه المهاجرين، أولئك الذين قرروا التحلي بالشجاعة اللازمة لمواجهة كل أنواع المخاطر الواقفة بينهم وبين بر الأمان، أولئك الذين أخذت الرحلة منهم زوجًا وابنًا وشقيقًا…”.

 


اقرأ أيضًا:

اترك تعليقا

لن يتم نشر بريدك الإلكتروني.

خريجو AUK

loader-image
london
London, GB
6:16 pm, Sep 16, 2024
temperature icon 20°C
overcast clouds
Humidity 54 %
Pressure 1029 mb
Wind 8 mph
Wind Gust Wind Gust: 0 mph
Clouds Clouds: 89%
Visibility Visibility: 0 km
Sunrise Sunrise: 6:37 am
Sunset Sunset: 7:13 pm