قبل أن تلتقط صورة مع شخصية معروفة أو أكبر منك.. فكر جيدًا
في زمن الكاميرات السريعة والهواتف الذكية، صار التقاط الصور مع الشخصيات العامة أو المشاهير أو حتى الكبار في السن جزءًا من المشهد اليومي. نلتقي أحدهم في مناسبة اجتماعية أو فعالية عامة، فنتحمّس لالتقاط “صورة تذكارية” قبل أن يغادر. لكنْ بين الصورة التي تحفظ ذكرى جميلة، وتلك التي تترك انطباعًا غير مريح، فارق صغير تصنعه قواعد الذوق والاحترام.
التقاط الصور ليس مجرّد فعل آلي، بل هو لغة صامتة تعبّر عن التربية والذوق، وتكشف مستوى الوعي الاجتماعي. ولأن الصورة تبقى أحيانًا أكثر من الكلام، فمن الجميل أن نتذكر بعض الآداب التي تليق بثقافتنا الأصيلة.
أولًا: لا تضع يدك في جيبك
قد تبدو هذه الحركة عادية، لكنها في ثقافات كثيرة -ومنها ثقافتنا العربية- تُفهم على أنها استخفاف بالموقف أو تراخٍ أمام من يكبرك. الوقفة المهذبة، بيدين إلى الجانبين أو خلف الظهر، تعبّر عن احترام الذات قبل احترام الآخرين. وقد نصح بعض خبراء البروتوكول في بريطانيا المشاركين في الفعاليات العامة بالابتعاد عن هذه الحركة أمام الكاميرات؛ لأنها تُفسَّر عادة على أنها فقدان للجدّية.
ثانيًا: تجنّب وضع يدك على كتف من هو أكبر منك
كثير من الشباب -بحسن نية- يضع يده على كتف شخص معروف أو كبير في السن أثناء التصوير. قد يبتسم الطرف الآخر مجاملة، لكنه في الغالب لا يشعر بالارتياح. في إحدى المناسبات الثقافية في لندن، التُقطت صورة لأحد الشباب وقد وضع ذراعه على كتف أستاذ جامعي كبير. بعد أيام حُذفت الصورة من صفحات المنظمين احترامًا للرجل، بعد أن عبّر عن انزعاجه بطريقة لبقة.
قال الإمام علي رضي الله عنه: «من لم يعرف قدر الكبير فقد جهل قدر نفسه». وهذه القاعدة الأخلاقية تصلح حتى في تفاصيل بسيطة مثل التقاط صورة.
ثالثًا: تجنّب الحركات غير المناسبة
علامة النصر، أو رفع الإبهام، أو أي إشارة مبالغ فيها قد تفسد رونق الصورة. ليس كل مشهد يصلح للمزاح أو الاستعراض. تخيّل أنك تقف إلى جانب شخصية دينية أو دبلوماسية، ثم تظهر في الصورة بعلامة شبابية ساخرة! كم من صور طريفة تحوّلت إلى موقف محرج لا يُنسى.
رابعًا: احترم المسافة
المسافة اللائقة لا تعني البرود، بل تصنع هيبة الصورة. الخطوة الزائدة للأمام أو الميل المبالغ فيه نحو الطرف الآخر قد تجعل اللقطة تبدو غير متوازنة. أحد المصورين المحترفين في بريطانيا قال مرة: “كلما احترمت المسافة، احترمت الصورة نفسها”.
خامسًا: استأذن قبل التصوير
الاستئذان من شيم الكرام. قد يكون الشخص غير مستعد، أو يمرّ بظرف خاص، أو لا يرغب في نشر صورته. السؤال البسيط “هل تسمح لي بصورة تذكارية؟” كفيل بأن يعكس ذوقك واحترامك.
سادسًا: اختر الوقت والمكان
لا تُخرج الهاتف أثناء حديث جاد أو في أثناء تناول الطعام. الصورة في غير وقتها تُربك الموقف وتفقد معناها. انتظر لحظة مناسبة أو نهاية اللقاء، فالمبادرة في وقتها الصحيح جزء من الذوق الرفيع.
وأخيرًا: الصورة مرآة أخلاقنا
نحن أبناء ثقافة تُقدّر الكبير، وتوقّر العالم، وتُكرم الضيف. وقد ورثنا عن آبائنا وأمهاتنا فنّ التعامل مع الناس بأدب ووقار، قبل أن نتعلمه من المدارس أو القوانين. الصورة التي تجمعك بشخص معروف ليست فرصة للظهور بقدر ما هي امتحان صغير للذوق.
تذكّر دائمًا أن التقاط الصورة ليس لإثبات أنك كنت هناك، بل لتوثيق لحظة جميلة تليق بك وبمن معك.
حدثني أحد الشيوخ ذات يوم بعد جلسة تصوير فقال:
“يا بُني، من أراد أن يَظهر محترمًا في الصورة، فليكن محترمًا قبلها”.
كلمات قصيرة تختصر فلسفة كاملة في التعامل مع الناس والمواقف.
وفي مجتمعاتنا العربية في بريطانيا، التي تمتزج فيها العادات الأصيلة بالمجتمع المتنوع من حولنا، يبقى الحفاظ على هذا الذوق الرفيع دليلًا على أصالتنا وتمسكنا بقيم الاحترام التي تربّينا عليها.
فمهما تغيّر المكان أو اللغات أو الأزياء، يظل الأدب زينة الإنسان وصورته الحقيقية قبل أي عدسة.
اقرأ أيضًا:
جميع المقالات المنشورة تعبّر عن رأي أصحابها ولا تعبّر بالضرورة عن رأي المنصة
الرابط المختصر هنا ⬇



