فلسطين على الرصيف البريطاني: التضامن تحت المراقبة

في شوارع لندن الباردة، وتحديدًا عند زوايا الأرصفة التي لا تلتفت إليها الصحف، وقفوا. بلا منصّات، وبلا صوت رسمي، وبلا ضمانات.. أعلامهم وضميرهم فقط. رددوا كلماتٍ يعرفون أنها لا تُعجب السلطة: “حرّروا فلسطين”. في شتاء 2023، ومع كل مجزرة تُبث مباشرة من غزة، بدأ الشارع البريطاني ينطق بما سكتت عنه مؤسساته.
طلاب ومهاجرون وأكاديميون… وجدوا أنفسهم في مواجهة مزدوجة: ضد العدوان، وضد الصمت المفروض عليهم باسم “الحياد”.
الجامعات: مساحاتٌ بلا حصانة

منذ الأيام الأولى للعدوان، أرسلت جامعات بريطانية رسائل مضمونة الهدف:
لا منشورات سياسية، ولا دعوات عبر البريد الجامعي، ولا لافتات تُثير الجدل.
لكن ما “المثير للجدل”؟
أهو رفض قتل المدنيين، أم التضامن مع أطفال يُقصفون كل ليلة؟!
النتيجة لم تكن مجرد صمت؛ بل كانت تحقيقات، ومضايقات، وعزلًا، وطردًا من جمعيات طلابية. التضامن مع فلسطين لم يَعُد موقفًا، بل غدا كأنه خطر أمني.
من الشارع إلى الشاشة… إلى قائمة الرقابة
كثيرون ممن خرجوا في المسيرات لاحظوا بعدها تغيّرًا في تعامل أرباب عملهم معهم.
مراجعة منشوراتهم، واستدعاءات داخلية، ونظرات تُحمّلهم ذنب موقفهم.
الرقابة لم تأتِ من الدولة وحدها، بل من الإدارات، والزملاء، وأحيانًا من الإعلام نفسه.
لكن رغم ذلك، لم يتوقفوا.
رأينا شعارات تُكتب وتُمسح.
وبيانات تُوقَّع رغم التهديد.
ومحتوى رقميًّا يتسلل يوميًّا، ويصل إلى الملايين.
الإعلام: الحياد حين يصبح سلاحًا

في نشرات الأخبار البريطانية، قلّما يُذكر الاحتلال.
يُعرض الفلسطيني بوصفه فاعلًا للعنف، ويُخفى السياق.
اللغة تُقصي، والعناوين تُجمِّل، والصورة تُقصُّ لتناسب روايةً ما.
لكن في مواجهة هذه الرواية، ظهرت أصوات بديلة.
منصات طلابية، ومبادرات عربية بريطانية، ومحتوى عابر للرقابة…
صوت لا يمكن إسكاته؛ لأنه لا يبحث عن إذن.
لماذا كل هذا التضييق؟
لأن فلسطين تُربك.
هي ليست قضية عادية.
هي مرآة، تُعيد إلينا أسئلتنا الأخلاقية، تضع الغرب أمام تاريخه الاستعماري، وتحاسبه على حاضرٍ يواصل فيه التماهي مع الظالم.
أن تتضامن مع فلسطين اليوم لا يعني أن تقول “أنا ضد القصف” فقط.
بل يعني أن تعلن رفضك لمنظومة كاملة تبرر هذا القصف، وتصمت عليه، وتُدينه حين يُقاوَم.
ومع ذلك…
التضامن لا يموت.

ربما لم يعد يجد مكانًا في الإعلام الرسمي، ولا على جدران الجامعات.
لكنه حاضر في منشور خائف، في حقيبة تحمل ملصقًا صغيرًا،
وفي حوار جانبي بين طالبَيْن، وفي دمعة مكتومة عند مشهد قصف.
فلسطين ليست بعيدة.
هي هنا، تمشي معنا في لندن، على الرصيف، في كل مرة نرفض أن نصمت.
إقرأ أيَّضا
الرابط المختصر هنا ⬇