فضيحة القروض الطلابية في بريطانيا: كيف سمحت الجامعات بانتشار الاحتيال؟
تستعد الحكومة البريطانية لإطلاق حملة صارمة تستهدف المشغلين غير القانونيين الذين يقدمون دورات جامعية منخفضة الجودة بالنيابة عن جامعات إنجليزية معترف بها، وذلك بعد تزايد المخاوف من استغلال نظام قروض الطلاب وتحويله إلى بابٍ للربح السريع على حساب المال العام وجودة التعليم.
وتأتي هذه الخطوة ضمن خطط ستُعلن عنها وزيرة التعليم بريدجيت فيليبسون هذا الأسبوع، بعد تحقيقٍ أجراه مكتب التدقيق الوطني كشف عن نشاطٍ احتيالي كلّف دافعي الضرائب نحو مليونَي باوند خلال العام الدراسي 2022-2023.
تشديد الرقابة على الكليات الخاصة

وبموجب الإجراءات الجديدة، سيتعين على المؤسسات التعليمية التي تضم أكثر من 300 طالب التسجيل رسميًّا لدى مكتب الطلاب -وهو الجهة التنظيمية المستقلة للتعليم العالي في إنجلترا- كي تكون مؤهلة للحصول على تمويل الطلاب. وسيدخل القرار حيز التنفيذ ابتداء من العام الدراسي 2028-2029، في محاولة لضمان خضوع هذه المؤسسات لمعايير الجودة والمساءلة المالية نفسها التي تُطبق على الجامعات الرسمية. ويستثني القرار المدارس الممولة من الدولة ومؤسسات التعليم ما بعد الثانوي والسلطات المحلية؛ نظرًا لوجود آليات رقابة وحوكمة قائمة تقلل من مخاطر إساءة استخدام الأموال العامة.
فضائح واستغلال نظام القروض الطلابية

كانت صحيفة صنداي تايمز قد كشفت في تحقيق موسّع عن انتهاكات واسعة لنظام قروض الطلاب في بعض الجامعات المرخّصة التي تستعين بمؤسسات خاصة لتقديم برامجها الأكاديمية، من بينها كلية أكسفورد للأعمال (OBC). وقد أظهرت وثائق مسرّبة أن شركة قروض الطلاب (SLC) رصدت آلاف الطلبات المشبوهة التي تضمنت وثائق مزورة وعناوين مكررة، إذ بلغ عدد الطلبات الاحتيالية في عام 2022-2023 نحو 3563 طلبًا بقيمة تقارب 60 مليون باوند.
وفي حالة كلية أكسفورد للأعمال وحدها، حُدِّد أكثر من 270 مطالبة احتيالية بلغت قيمتها 3.7 مليون باوند، منها ما يقرب من 843 ألف باوند فُقدت نهائيًّا. ومع أن وزارة التعليم البريطانية أوقفت تمويل الكلية مؤقتًا بعد التحقيق، فإن الأخيرة لجأت إلى القضاء واستعادت حقها في الوصول إلى أموال شركة القروض الطلابية، وأعلنت نيتها مقاضاة الوزارة بدعوى تكبدها خسائر تجاوزت 18 مليون باوند.
تضاعف أعداد الطلاب في الكليات المرخّصة

منذ عام 2011، سمحت اتفاقيات “الامتياز الأكاديمي” للجامعات الحكومية بزيادة أعداد طلابها عبر التعاون مع كليات خاصة، ما ضاعف عدد الملتحقين في هذه المؤسسات من 50 ألفًا إلى أكثر من 135 ألفًا خلال أربع سنوات فقط. لكن تقارير رسمية أظهرت أن معدلات النجاح والاستمرار لدى طلاب هذه الكليات أدنى بكثير من المعدلات في الجامعات التقليدية، إذ لا يكمل سوى 75 في المئة من الطلاب دراستهم، مقارنةً بـ90 في المئة في القطاع العام. ويرى مراقبون أن ضعف شروط القبول في هذه الكليات -التي تقبل أحيانًا طلابًا لا يحملون مؤهلات مثل (GCSE) أو (A-Levels) ولا يجيدون الإنجليزية- جعلها بيئة خصبة للاستغلال الأكاديمي والمالي على حد سواء.
قروض ضخمة يتحملها دافعو الضرائب

يحصل طلاب هذه الدورات على قروض دراسية تصل إلى 45 ألف باوند من شركة القروض الطلابية، وهي أموال يغطيها دافعو الضرائب البريطانيون ضمن دين وطني تجاوز 267 مليار باوند. وتُقسَّم الرسوم السنوية للطلاب (9.535 باوند) بين الأطراف المشاركة؛ إذ يحصل مزود الامتياز عادة على 50 في المئة، والجامعة على 25 في المئة، والباقي يذهب إلى وكلاء تجنيد الطلاب. ويحصل الطلاب في المقابل على مؤهلات جامعية رسمية من جامعات لم تطأ أقدامهم حرمها الجامعي، في مشهد يثير تساؤلات جدية عن نزاهة النظام التعليمي البريطاني وفعالية الرقابة على مؤسساته الخاصة.
وفي هذا السياق نرى أن هذه التطورات تكشف عن خللٍ هيكلي متزايد في قطاع التعليم العالي البريطاني، الذي بات يشهد تخصيصًا غير منضبط وتغلغلًا لمصالح تجارية تتعارض مع رسالته الأكاديمية. ونؤكد أن حماية المال العام وجودة التعليم تتطلب شفافية مطلقة في تمويل الجامعات الخاصة، ومراجعة شاملة لنظام الامتياز الأكاديمي الذي سمح بتحويل التعليم إلى سلعة، والطلاب إلى مصدر ربح. كما ندعو إلى إعادة الثقة في مؤسسات التعليم البريطانية، من خلال تعزيز الرقابة وتشديد العقوبات على الجهات التي تستغل الطلاب أو تسيء استخدام القروض الحكومية.
المصدر: The Sunday Times
اقرأ أيضًا:
الرابط المختصر هنا ⬇
