العرب في بريطانيا | غزة خلف الخط الأصفر: آلاف الفلسطينيين محرومون م...

1447 رجب 5 | 25 ديسمبر 2025

غزة خلف الخط الأصفر آلاف الفلسطينيين محرومون من العودة لمنازلهم بعد العدوان

غزة خلف الخط الأصفر آلاف الفلسطينيين محرومون من العودة لمنازلهم بعد العدوان
محمد سعد December 25, 2025

رغم الإعلان عن وقف العدوان على قطاع غزة بموجب الاتفاق الموقّع في تشرين الأول/أكتوبر 2025، لا تزال معاناة آلاف الفلسطينيين مستمرة، في صورة أقل ضجيجًا لكنها أشد قسوة. فخلف ما يُعرف بـ«الخط الأصفر»، يجد سكان غزة أنفسهم أمام واقع جديد من التهجير القسري، يُعيد رسم الجغرافيا اليومية للحياة، ويؤجل العودة إلى المنازل والأراضي إلى أجل غير معلوم.

ما هو «الخط الأصفر»؟

 

غزة خلف الخط الأصفر آلاف الفلسطينيين محرومون من العودة لمنازلهم بعد العدوان
الخط الأصفر يترك أكثر من نصف مساحة غزة تحت السيطرة الإسرائيلية

يشير مصطلح «الخط الأصفر» إلى الحدود التي انسحبت إليها القوات الإسرائيلية عقب الاتفاق، غير أن هذا الانسحاب لم يترجم، بالنسبة لكثير من الفلسطينيين، إلى هدوء فعلي أو حرية حركة.

فالمناطق الواقعة خلف هذا الخط، والتي تشمل أحياء سكنية وأراضي زراعية واسعة، لا يزال يُمنع الفلسطينيون من دخولها، بذريعة تصنيفها «مناطق قتال خطرة»، في وقت تواصل فيه القوات الإسرائيلية انتشارها ونشاطها العسكري هناك.

وقد تحوّل الخط الأصفر، الذي ابتلع أكثر من نصف مساحة القطاع، إلى رمز لمرحلة جديدة من العدوان المستمر بصمت، بعيدًا عن عدسات الكاميرات، لكنه حاضر بقوة في تفاصيل الحياة اليومية.

كتل إسمنتية وحدود مفروضة بالقوة

ورغم أن الخط بدأ كترسيم افتراضي، عمد الجيش الإسرائيلي لاحقًا إلى تثبيته ميدانيًا عبر وضع كتل إسمنتية صفراء ضخمة، جعلت تجاوزه شبه مستحيل دون التعرض لخطر الاستهداف المباشر.

ويمتد هذا الخط من شمال قطاع غزة، مرورًا بالمناطق الوسطى، وصولًا إلى أطراف رفح جنوبًا، مطوّقًا مناطق ذات كثافة سكانية عالية.

«الحرب لم تنتهِ»

في منطقة المواصي جنوب القطاع، كما يورد تقرير لموقع  ديكلاسيفايد يو كيه (Declassified UK)، يعيش الحاج أبو عماد، البالغ من العمر 55 عامًا، في خيمة مع عائلته بعد تهجيرهم من مخيم جباليا، الواقع خلف الخط الأصفر.

يقول بصوت يملؤه الأسى:

«لا نشعر أن الحرب انتهت. لم يسمحوا لنا بالعودة إلى مناطقنا، ولا حتى بتفقد بيوتنا. نحن نعيش حربًا أخرى، حرب التهجير والمعاناة، خصوصًا مع قدوم الشتاء».

ويضيف أن عائلته تنتظر بدء المرحلة الثانية من الاتفاق، على أمل أن يُسمح لهم بالعودة إلى أنقاض منزلهم ونصب خيمة فوقه:

«نحن غرباء هنا… الحياة قاسية، ومع كل يوم نشعر أننا عالقون بلا أفق».

انفجارات يومية وغياب الأمان

غزة خلف الخط الأصفر آلاف الفلسطينيين محرومون من العودة لمنازلهم بعد العدوانانفجارات مستمرة
الانفجارات جزء من الواقع اليومي للحياة في غزة

تجربة مشابهة تعيشها عائلة العبدلة، التي نزحت من شرق خان يونس إلى غربها بعد إدراج منطقتهم ضمن نطاق الخط الأصفر.

يؤكد خالد العبدلة (41 عامًا)، وهو أب لطفلين، أن ما يسمعه كل ليلة يتناقض تمامًا مع الادعاءات الإسرائيلية بانتهاء العدوان.

يقول:

«إسرائيل تخدع العالم. كل يوم نسمع انفجارات وقصفًا في شرق خان يونس، وصدى الأصوات يصل إلينا. في بعض الليالي لا نعرف طعم النوم».

ويشير إلى مقتل عدد من الفلسطينيين خلال الأسابيع الماضية أثناء محاولتهم الاقتراب من الخط أو العودة إلى منازلهم.

حياة ليلية تشبه حظر التجول

Israel must rescind latest 'evacuation' orders for North Gaza, allow humanitarian access
في شمال غزة تحلق الطائرات المسيّرة الصغيرة فوق المنطقة، وتستمر أصوات الانفجارات بلا توقف (امنيستي انترناشونال)

في شمال قطاع غزة، وعلى بُعد شارعين فقط من الخط الأصفر في مشروع بيت لاهيا، تعيش زينة كلاب (28 عامًا) مع عائلتها في منزل متصدع لا يكاد يقيهم برد الشتاء.

تقول:

«بحلول الخامسة مساءً، لا يجرؤ أحد على مغادرة المنزل. الأمر يشبه حظر تجول غير معلن».

وتضيف:

«ليلًا، تحلق الطائرات المسيّرة الصغيرة فوق المنطقة، وتستمر أصوات الانفجارات بلا توقف. نشعر أن الحرب ما زالت قائمة، لكن لا خيار أمامنا… عدنا إلى منزلنا رغم خطورته لأنه الملاذ الوحيد».

تنتشر القوات الإسرائيلية خلف الخط الأصفر في أحياء الشجاعية والتفاح والزيتون شرق مدينة غزة، إضافة إلى بيت لاهيا وبيت حانون شمالًا، ومحيط رفح وشرق خان يونس جنوبًا، وهي مناطق شهدت أعنف مراحل العدوان.

في الملاجئ: المرض والبرد والقلق

في أحد مراكز الإيواء غرب دير البلح، يعاني محمد أبو شمالة (69 عامًا)، المهجّر من رفح، أوضاعًا صحية صعبة. فالاكتظاظ وسوء التهوية داخل القاعة التي تضم مئات النازحين تسببا له بسعال مزمن.

يقول بصوت متعب:

«منذ انتهاء العدوان وأنا أنتظر العودة إلى رفح. لم أعد أحتمل هذه الظروف… البرد قاسٍ، والأمراض تنتشر، والازدحام خانق».

ويضيف أن الأخبار اليومية تزيد من قلقه:

«كل يوم نسمع عن خطط جديدة للاحتلال… مرة يقولون إنهم سيحوّلون رفح إلى مدينة إنسانية، ومرة يتحدثون عن نقل سكان غزة إليها. لا نعرف ماذا ينتظرنا».

الخط الأصفر كأداة سيطرة

تشير منصة العرب في بريطانيا (AUK) إلى أن «الخط الأصفر» لا يمكن قراءته بوصفه إجراءً أمنيًا مؤقتًا، بل كأداة لإدارة مرحلة ما بعد العدوان، تُستخدم لإدامة السيطرة وفرض وقائع جديدة على الأرض. فبينما يُروَّج دوليًا لانتهاء العمليات العسكرية، يعيش آلاف الفلسطينيين واقعًا من التهجير المقنّع، حيث تُعلَّق العودة، وتُعاد صياغة الجغرافيا، ويُترك السكان بين أنقاض بيوتهم وحدود لا يُسمح لهم بتجاوزها.

كذلك تشير المنصة إلى أن «الخط الأصفر» لا يمكن قراءته بوصفه إجراءً أمنيًا مؤقتًا أو ترتيبات ميدانية عابرة، بل كأداة لإدارة مرحلة جديدة من السيطرة وفرض وقائع دائمة على الأرض. فبينما يُروَّج دوليًا لانتهاء العمليات العسكرية، يعيش آلاف الفلسطينيين واقعًا من التهجير المقنّع، حيث تُعلَّق العودة، وتُعاد صياغة الجغرافيا اليومية للحياة تحت مسميات أمنية.

وفي هذا السياق، لا يُستبعد أن يكون الخط الأصفر توطئة لاقتطاع إسرائيل مناطق من قطاع غزة، سواء عبر فرض مناطق مغلقة طويلة الأمد، أو تمهيدًا لمشاريع استيطانية مستقبلية، أو ابتلاع مزيد من الأراضي الفلسطينية التي تتآكل بالفعل تحت وطأة العدوان والقمع الإسرائيليين. فالتجربة التاريخية في الضفة الغربية تشير إلى أن الخطوط المؤقتة كثيرًا ما تتحول إلى حدود فعلية، تُرسَّخ بالقوة ثم تُفرض كأمر واقع، ما يجعل «الخط الأصفر» علامة تحذير إضافية على مسار مفتوح من إعادة هندسة الأرض والسكان، لا مجرد أثر جانبي للحرب.

المصدر: ديكلاسيفايد يو كيه (Declassified UK)


اقرأ أيضاً

 

اترك تعليقا

آخر فيديوهات القناة