العرب في بريطانيا | غزة أولًا… لأن المواجهة أوسع من حدودها

1446 ذو القعدة 1 | 29 أبريل 2025

غزة أولًا… لأن المواجهة أوسع من حدودها

غزة أولًا… لأن المواجهة أوسع من حدودها
عدنان حميدان April 6, 2025

في كل مرة تتعرض فيها غزة للعدوان، تتدفق صور الشهداء والركام وصراخ الأطفال إلى شاشاتنا وقلوبنا، فتتحرك مشاعرنا ونغضب.

لكن غضبنا يظل قاصرًا ما لم ندرك أن ما يجري في غزة ليس مجرد عدوان على شريط ضيق من الأرض، بل هو فصل مكثّف من مواجهة كبرى تتجاوز حدود المكان والزمان.

غزة ليست وحدها، ومن يظن أن الحريق محصور داخلها لم يُدرك بعد أن المشروع الذي يحاول خنقها، هو ذاته الذي يُغرق السودان، ويُقيّد تونس، ويُمزّق ليبيا، ويمنع شمس الديمقراطية من أن تشرق على الأرض العربية والإسلامية.

المشروع الصهيوني… حين تُصبح فلسطين بوابة لكل شيء

في عمق هذه المواجهة، لا يمكن فصل الاحتلال عن طبيعته التوسعية.

إسرائيل لم تكن يومًا مجرد دولة تبحث عن “أمان”، بل وُجدت لتكون قاعدة متقدمة لمشروع استعماري غربي طويل النفس، يهدف إلى إعادة تشكيل المنطقة، والتحكم بمسار نهضتها، وتوجيه خياراتها السياسية والاقتصادية.

من هذه القاعدة، تبدأ خيوط التدخل، وتُحاك المؤامرات، وتُدعَم الأنظمة التي تخدم هذا التوجه وتحاصر كل صوت حر.

من يظن أن المواجهة تنحصر في بيت حانون أو خان يونس لا يرى خارطة الحصار الأوسع.

فغزة اليوم تقف على خط المواجهة الأول، لا لأنها الأقوى عسكريًا، بل لأنها الأصدق في التعبير عن هوية الأمة وحقها في الكرامة والحرية.

لماذا غزة؟ لأنها قالت “لا”

غزة محاصَرة منذ أكثر من 18 عامًا؛ لا بحرها مفتوح، ولا سماؤها، ولا معابرها.

ورغم الجراح، لم تخضع. لم توقّع على استسلام، ولم تتنازل عن ثوابتها. ولهذا تُحارَب وتُستهدف.

هي لا تُقاتل لأنها تهدّد أمن دولة نووية، بل لأنها تهدّد منطق الهيمنة، وتكسر معادلة “الرضوخ مقابل السلام”.

غزة ببساطة، صارت نموذجًا، والأنظمة تخشى النماذج التي تُلهم الشعوب.

من غزة إلى الخرطوم وتونس وطرابلس… ذات اليد تعبث

وزير بريطاني يواجه استجوابًا حول دعم سلاح الجو الملكي لإسرائيل في غزة

انظروا إلى السودان. شعب خرج بثورة عظيمة يطالب بالعدالة والكرامة، فتم احتواؤه وجرّه سريعًا إلى التطبيع مع الكيان الصهيوني مقابل “رفع اسمه من قائمة الإرهاب”.

لم يكن الهدف مجرد تحسين علاقات، بل إغلاق أي أفق سياسي مستقل.

وعندما رفض الشارع، كانت الفوضى جاهزة لتأكل ما تبقى.

وتونس، ما إن بدأت تجربتها الديمقراطية تتشكل، حتى تكالبت عليها الضغوط.

لم يُرِد النظام الرسمي العربي ولا شركاؤه الغربيون لتونس أن تكون قصة نجاح.

ولما صدحت الأصوات فيها دعمًا لفلسطين ورفضًا للتطبيع، تحرّكت دوائر الانقلاب، وتم ضرب أهم مكسب حققته الأمة في العقد الأخير: دولة مدنية بإرادة شعبية.

أما ليبيا، فلم يُترك لها أن تنهض من ركامها، بل دُفعت إلى صراعات داخلية لا حصر لها.

هناك مشروع واضح: لا دولة عربية وإسلامية مستقلة، لا تنمية خارج الهيمنة، ولا فلسطين تُذكر إلا كمشكلة يجب طيّها.

الديمقراطية خطر على المشروع الصهيوني

حين تُتاح الكلمة للشعوب، تتقدم فلسطين.

لأن الشعوب تدرك أن مصيرها مرتبط بمصيرها، وأن العدالة لا تتجزأ.

ولهذا تُخشى الديمقراطية في العالم العربي والإسلامي، لا لأنها تُفرز قوى مناهضة للتطبيع فحسب، بل لأنها تُعيد الاعتبار لفكرة “الأمة” وتُحيي الروح.

من هنا نفهم لماذا تُحاصر كل تجربة ديمقراطية ناشئة، ولماذا يُستهدف كل من يرفع صوته دفاعًا عن غزة.

فانتصار غزة ليس فقط هزيمة عسكرية لإسرائيل، بل نكسة لمنظومة كاملة تسعى لإبقاء العرب والمسلمين في حالة خضوع وتيه وضياع.

غزة ليست عبئًا… إنها البوصلة

تحالف فلسطين في بريطانيا يرفض توسيع صلاحيات الشرطة في قمع المظاهرات

حين نضع غزة في المقدمة، لا نفعل ذلك بدافع العاطفة فقط، بل لأن المواجهة الحقيقية تبدأ من هناك.

فمن ينتصر هناك، يمتلك القدرة على تغيير المعادلة في سائر المنطقة.

ومن يتخاذل عنها، سيكون فريسة لاحقة لذات اليد التي خنقتها.

غزة، رغم الحصار والموت اليومي، ما زالت تصرخ باسمنا جميعًا.

لا تطلب الخبز فقط، بل تطلب أن نستعيد شرفنا الجمعي، وأن نكسر القيد الذي كبّل أمتنا لعقود.

ولهذا فإن مناصرتها ليست ترفًا، بل واجب وجودي، لمن أراد أن يكون حرًا في خياراته، آمنًا في وطنه، قويًا في تقرير مصيره.

خاتمة: لأننا نريد أن ننهض، نقف مع غزة

في كل عدوان على غزة، تتكشف الحقيقة مجددًا: من معنا؟ ومن علينا؟

من يريد لنا النهوض؟ ومن يغذي الانقسام والخراب؟

ومن وسط هذا الظلام، يظل صوت غزة هو الأعلى، والأصدق، والأكثر إلهامًا.

غزة ليست مجرد مواجهة… إنها الميزان.

فإن خذلناها، خذلنا أنفسنا.

وإن نصرناها، نصرنا مشروع أمة تبحث عن مكانها تحت الشمس، بكرامة، وسيادة، وحرية.


اقرأ أيضًا :

التعليقات

  1. غزة معركة وجود في كل ضمير يقاوم الظلم، وفي كل صوت يرفض أن يغيب الحق

    غزة البوصلة التي تحدد اتجاه الحرية والكرامة

اترك تعليقا

لن يتم نشر بريدك الإلكتروني.

loader-image
london
London, GB
2:36 am, Apr 29, 2025
temperature icon 10°C
few clouds
Humidity 78 %
Pressure 1026 mb
Wind 1 mph
Wind Gust Wind Gust: 2 mph
Clouds Clouds: 23%
Visibility Visibility: 10 km
Sunrise Sunrise: 5:35 am
Sunset Sunset: 8:19 pm