سفينة مادلين.. مرآة عارنا وصمتنا

لم يغمض للأحرار جفن ليلة البارحة؛ فالأعين تترقّب، والقلوب تخفق قلقًا، تراقب تلك السفينة الصغيرة في حجمها، العظيمة في غايتها.. سفينة مادلين.
لم تحمل سلاحًا، ولا أجندات خفية، بل كانت تحمل ضمائر حيّة، ومساعدات إنسانية، وأملًا يتيمًا في بحرٍ تسيطر عليه الظلمات.
انطلقت لتكسر الحصار، ولتقول للعالم: “كفى جوعًا، كفى حصارًا، كفى موتًا على مرأى من الجميع… كفى تخاذلًا وجبنًا وصمتًا”.
لكن مادلين، مثل سابقاتها، لم تَسلَم. فقد اعترضتها قوات الاحتلال، وكأنها تخشى من غذاء طفل، أو دواء مريض، أو كلمة حقّ تخرج من فم ناشطٍ حرّ.
هجومٌ لم يكن مفاجئًا… فالمحتل لا يخشى إلا الحقيقة، ولا يحارب إلا من يحمل الخير. عدوٌّ آمن من العقاب، لذلك يسيء الأدب دائمًا، بغطرسةٍ وقحة.
ما يجب أن يهزّنا اليوم، ليس ما جرى لمادلين فقط.. بل صمتنا.
إلى متى سنبقى نبكي على الأطلال؟ إلى متى؟!
أين نحن؟ ومن نحن؟ وما موقفنا؟ بأي عين سننظر في وجوه أطفالنا غدًا، عندما يسألوننا: “أين كنتم حين تعرّضت سفينة السلام للاعتداء؟ ماذا قلتم حين اعتُدي على من انتفضوا بدافع الإنسانية؟”.
أين كنتم حين هرع أحرار العالم ليُطعموا أطفالًا أنهكتهم الحرب وحرمتهم النوم؟
أطفالٌ حُرموا من أبسط حقوق الطفولة، أطفال يُبادون على مرآكم ومسمعكم.
كيف تركتم من هبّوا ليغسلوا عار من خذل غزة؟ كيف تركتموهم وحدهم؟!
هل ستكفينا وقتها أعذار التوازنات الدولية؟
هل سنخفي جبننا خلف شعارات جوفاء، مبطّنة بخوفٍ ترعرعنا فيه، ولم نملك شجاعة الخروج منه؟
إن ما حدث أمس، ليس اعتداءً على سفينة فحسب.. بل صفعة جديدة على وجه الإنسانية، وعلى كل منظومة القيم التي نتغنّى بها.
لم تغرق مادلين في البحر، بل أغرقتنا نحن.. في صمتنا، وفي خنوعنا، وفي لامبالاتنا.
يا أصحاب القلوب التي لم تمت بعد: هذا زمن لا مكان فيه للحياد.
إما أن نكون مع المظلومين، وإما أن نُصنَّف مع الظالمين.
إما أن نرفع صوتنا، وإما أن نبقى أحياءً بأجسادٍ ميتة، وأرواحٍ باهتة.
مادلين ليست مجرد سفينة.. إنها سؤال أخلاقي مفتوح لكل واحدٍ منا:
أما زلنا بشرًا؟!
ولمن لم يزل في قلبه ذرة من نور: اعلم أن البشر وحدهم هم من سيتأثرون بهذه الكلمات، أما أولئك الذين أغلقوا قلوبهم عن الحق، فليسوا من البشرية في شيء…
هم تماثيل من لحم، تتنفس الخوف، وتسجد للصمت.
وعندما يكتب التاريخ غدًا عن مادلين.. لن يكتب عن السفينة، بل عن الذين وقفوا معها، وعن الذين خذلوها.. سيسجل بكل بشاعة وصمة عار جديدة على جبين كل من خذلها كما خذل غزة من قبل.
اقرأ أيضًا:
الرابط المختصر هنا ⬇
الخوف و الخنوع و الخذلان و التخاذل و التخلى نخروا كالسوس في عظام أصحاب السلطه و المال و من والاهم.. فقد سلموا و أسلموا أن ما يحفظ لهم عزهم هو استسلامهم لجلادهم … و ان هذا لعمرى لهو الذل و العار الذى سيُسامون به و يموتون عليه …. فلا نامت أعين الجبناء