العرب في بريطانيا | سرّاؤنا وضرّاؤنا وأين نحن منها؟

1446 ذو الحجة 23 | 20 يونيو 2025

سرّاؤنا وضرّاؤنا وأين نحن منها؟

تصميم العرب في بريطانيا لمقال لانة الصميدعي بعنوان "سرّاؤنا وضرّاؤنا وأين نحن منها؟"
لانة الصميدعي May 16, 2022

تأتي الأزمات والمواقف في حياتنا اليومية وتلك المتسارعات والمتغيرات التي تعبّر دومًا عن تفكير الأمم والشعوب والأديان كذلك.. والتي خلقها الله سبحانه وجعل التنوّع مقصدًا حين قال تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَٰكُم مِّن ذَكَرٍۢ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَٰكُمْ شُعُوبًا وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوٓاْ ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ ٱللَّهِ أَتْقَىٰكُمْ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [سورة الحُجُرات آية 13].

وكذلك تعطينا دراسة واضحة عن النهج الذي تسلكه الأمم عمومًا والفئات المجتمعية خصوصًا بمثقفيها وعوامها وصغارها وشبابها وكبارها دون استثناء.

وينبغي على الحصيف والفطِن صناعة الموقف وفهم الأحداث فهمًا صحيحًا، وعدم أخذ الحدث إلى مناحٍ ليست هي المقصودة والأصلية، بل ليست هي الدروس المستفادة من تلك النكبة أو ذلك الموقف!

أو أن يقرأ النص بطريقة بعيدة عن الهدف وعن الدرس المستفاد من تلك الواقعة. وقد كثرت الأحداث التي مرت بهذا العالم عامة وبهذه الأمة الإسلامية خاصة.

وكانت تتشعب في كل مرة الرؤى والأفكار والمعطيات، ورأينا من اتخذ موقفًا في بداية المشهد، ثم ما برِحَ أن غيَّره.. وتبدلت أفكاره نحو الصواب والإيجابية وهناك العكس!

من أصرّ والتصقَ بحرفيّة النصوص والآيات متجاهلًا الأخذ بقواعدَ أصولية شرعيةٍ أصيلة، ومفسرًا الأمور وفق فهمه المحدود أو فهم من تَبعه..

أتكلم تحديدًا عن ديننا الإسلامي الحنيف الذي وسِع جماله وكماله جُلّ الأحداث والفتِن.

‏وهذا لا يعني بحالٍ ما يتصوره البعض من أن توسيع المدارك والأخذ بشمولية النص ووجودَ استثناءٍ لنازلة ما.. أو واقعةٍ ما .. أنه تنازل عن المبادئ والأصول والثوابت.

وهذا ليس مرجعه ‏العواطف والمزاج؛ إذ لا يجوز بحال الأخذ بها؛ لأنها تختلف بين الأشخاص، بل بين العائلة نفسها..

لذلك يكون مرجعنا المستند هنا في ديننا أثناء التعامل مع أي مناسبة أو حدث جلل وطريقة إخراجها بطريقة نافعة مفيدة.. هو كتاب الله تعالى، وهدي نبيه المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وهو قدوتنا وقائدنا ودليلنا إذا ادلهمّت الخطوب!

 

على خطى النبي

كنب مكدسة على طاولة أمام كوب من القهوة
“كتاب الله هو مرجعنا المستند في ديننا أثناء التعامل مع أي مناسبة أو حدث جلل وطريقة إخراجها بطريقة نافعة مفيدة”

‏ونجده صلى الله عليه وعلى آله وسلم ‏قد أنزل الناس منازلهم، مسلمهم وكافرهم، وعالمهم وجاهلهم، كذلك لم يفُتْه أن يكون له في كل مقام مقال.

فنجده يحرص على تكرار ثنائه على النجاشي ملك الحبشة.. ولم يتردد أن يقول صراحة: «إِنَّ بِهَا مَلِكًا لا يُظلَمُ عِنْدَهُ أَحَدٌ، وَهِيَ أَرْضُ صِدْقٍ». (acecharter.org)

إنه يمدح الملك النصراني بشيء هو فيه حقًّا، ولا بُدَّ لكل إنسان من شيء إيجابي فيه يستحق المدح، ولكن ليس كل الناس قادرين على رؤية الحُسْنِ وإبرازه عند غيرهم، بل يعتقد بعض السُّذّج من المسلمين أن غير المسلمين لا يستحقون الثناء؛ خوفًا من أن يكون هذا نوعًا من الموالاة أو التودُّد المرفوض، وفي الغالب يقيسون على ردود أفعال رسول الله صلى الله عليهِ وسلَّم في زمن الحرب، ما ينبغي أن يكون من ردود أفعال في وقت السلم والتعاهد.

وهو الذي قال الله فيه: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا، وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا} [سورة الأحزاب: الآية 45 – 46].

وهذا هو نهجنا نحن كذلك إلى يوم الدين، شاهدين ومبشرين، لا منفرين.

وكذلك موقفه مع بني شيبان؛

فها هو صلى الله عليه وسلم يمدح أخلاق قومٍ مشركين رفضوا الدخول في دينه، ولم يقبلوا أن ينصروه!! لماذا؟! لأنه رأى بعينٍ حيادية أن لهم أخلاقًا عظيمة في بعض الجوانب فامتدحها، على الرغم من غياب الأخلاق الحسنة في جوانب أخرى.. إنهم بنو شيبان الذين يسكنون في شمال شرق الجزيرة العربية على أطراف العراق، ويتحالفون مع دولة فارس العظمى آنذاك..

لقد عرض عليهم رسول الله صلى الله عليهِ وسلَّم الإسلام فاستحسنوا أمره جدًّا، وكانت ردودهم عليه في غاية الأدب، ولكنهم رفضوا صراحةً أن يدخلوا في الإسلام؛ خوفًا من كسرى فارس، ومع أن موقفهم هذا سلبي جدًّا، ويمكن أن يكون مطعنًا في شرف القوم، كغياب الحكمة وبُعْدِ النظر، وعدم القدرة على إدراك قيمة الدين الإسلامي، وكأخلاق الجُبْنِ والخوف من كسرى، وعدم نصرة المظلوم، والتردُّد وغياب الحسم والحزم… وهذه كلها أخلاق سلبية لا تليق بفوارس الصحراء، وكان يمكن أن يُعَلِّقَ عليها الرسول، إلا أنه تجنب الحديث عن كل هذه السلبيات، وانطلق يمدح أخلاقًا أخرى رآها إيجابية.

‏ويدلنا هذا على شيء هو غيض من فيض، ويهدينا إلى كيفية التعامل في المواقف والأزمات، وبالذات مِن مَن هم في مواقع القرار، ومَن يُسمع لهم، ومن يُنتظر منهم توجيه الأمة، وقد يكون الأمر عكس ذلك تمامًا!

 

سماحة الإسلام

مصافحة
لا بد أن نكثّف الحلقات والندوات التي تُعنى بفقه الواقع وآلية التعامل مع النوازل والمآسي الآنية”

بيان سماحة الإسلام بالذات في هذا التوقيت الحرج من عمر الأمة الإسلامية، هو أسمى هدف يجب أن نعيش له ونجعله نبراسًا لنا في مواقفنا كافة.

هناك من يحسب هكذا مرونة تمييعًا للثوابت والقيم، ولا شك أن بينهما شعرة.. لا يتقنها إلا من عرف كيف يأخذ بزمام الأمور، ويستفيد من الدروس ويضع الحق في نصابه؛ ولا ينخرط في جدل عقيم لا يؤدي إلا إلى زيادة الفرقة والخِصام ومضيعة الوقت، متناسين أننا لا نعلم مصير أنفسنا في الآخرة، ولا يُحدد ذلك المصير إلا برحمةٍ الله، فضلًا عن أن نحكم على مصير الآخرين، سواء في الدنيا أو في الآخرة.

‏وإن كان هذا يُنبئ عن شيء فعن ‏أزمة حقيقيةٍ في معالجة قضايا مصيرية وجوهرية لأمتنا الإسلامية وللعالم أجمع، وخاصةً عند النُخبِ الفكرية ومَن بيدهم صنع القرار!

ولا يمكن أن نلوم إذن أناسًا كشفت مواقع التواصل الاجتماعي خباياهم وطرق تفكيرهم.

بل إني أجد ذلك شخصيًّا ‏في منشورات صغيرة لي بين الحين والآخر؛ فأرى كيف يأخذ الجمهور ذلك المنشور أحيانًا إلى أبعاد لم أقصدها أصلًا، ويدخل في خصام وجدل بعيد عن كل منطق سليم، مُورطين أنفسهم في متاهات لا آخر لها، والله المستعان.

‏هذه الأحداث تدعوني وتدعو كل من حمل على عاتقه إيصال هذه الدعوة إيصالًا صحيحًا، أن نكثّف المؤتمرات والجلسات والحلقات والندوات التي تُعنى بفقه الواقع وآلية التعامل مع النوازل والمآسي التي يمر بها العالم أجمع وقضايانا المصيرية بشكل خاص.

‏ولا يوجد تعارض بتاتًا بين الالتزام بالثوابت والنصوص وبين الأخذِ بنهجه صلى الله عليه وسلم بالرفق بالآخرين وحكمته في التعامل مع عِليَة القوم أو مع جُهّالهم أحيانًا بطريقة قد تختلف عما نفهمه من النص العام الذي ورد في آيةٍ أو حديث..

دعونا نهتم بالمهم فعلًا، ونوجِّه سهام نقدنا ‏وغضبنا إلى المنتهك الحقيقي للحُرمات وللديار، ‏ونوجِّه البوصلة لمن يستحق الحرب الكلامية والمعنوية وثورة الغضب تلك!

ولْنعلم أن الإسلام – وبثراء لغتنا العربية الأصيلة – علّمنا انتقاء كلمات الخطاب والمواساة،

وأنه يمكننا التعبير عن مساندتنا ومواساتنا دون التطرق لكفرٍ أو إيمان.

وكذلك ينبغي أن يسعنا ما وسعه صلى الله عليهِ وسلَّم وأصحابه الكرام رضي الله عنهم، فأقاموا دولة العدل والخير والصلاح.

 


اقرأ أيضًا:

عندما يعجز القلم عن رثاء شيرين أبو عاقلة

وصفة مجربة لتنعم براحة البال

يوم المرأة بين الواقع و المأمول

loader-image
london
London, GB
7:49 pm, Jun 20, 2025
temperature icon 25°C
clear sky
50 %
1021 mb
14 mph
Wind Gust 0 mph
Clouds 7%
Visibility 10 km
Sunrise 4:42 am
Sunset 9:21 pm