العرب في بريطانيا | رحلة معمارية ملهمة: من الأردن إلى لندن مع المهن...

1446 ذو القعدة 17 | 15 مايو 2025

رحلة معمارية ملهمة: من الأردن إلى لندن مع المهندسة رهام الأسمر

final_image_681b6b5b0e1e40.53474553
مروة كنيفيد May 7, 2025

في بث مباشر مميز أُقيم بتاريخ الـ6 من مايو، حظينا بلقاء ثري ومُلهم مع المهندسة المعمارية والباحثة في جامعة (UCL)، رهام الأسمر، التي قدّمت لنا لمحة بارزة عن رحلتها الشخصية والعلمية من الأردن إلى بريطانيا، وعن شغفها الكبير في مجال الاستدامة والطاقة المجسدة في البناء.

بدأت رهام رحلتها الأكاديمية في الجامعة الهاشمية في الأردن، حيث حصلت على درجة البكالوريوس في الهندسة المعمارية. ومع أن المحتوى الدراسي كان نظريًّا إلى حد كبير، بدأت تتشكل لديها خلال هذه المرحلة بوادر اهتمام بمفاهيم العمارة الخضراء والاستدامة، لكنها بقيت في إطار عام ومحدود.

التحول الأهم كان مع بداية دراسة الماجستير في الجامعة الأردنية عام 2019، حيث أتيحت لها الفرصة للتعمق في البحث الأكاديمي. هناك تنوعت المساقات وأُتيح لكل طالب اختيار مسار بحثي يناسب ميوله وتطلعاته، وهو ما مكّنها من الانخراط في موضوع الطاقة المجسدة لمواد البناء في الأردن، والذي أصبح لاحقًا محورًا رئيسًا في مسيرتها.

تقول رهام: إن رسالة الماجستير شكّلت نقطة مفصلية في حياتها الأكاديمية، حيث لمست من خلالها فجوة حقيقية في قطاع البناء الأردني؛ فبينما كان الاهتمام بالكربون التشغيلي يتصاعد عالميًّا، لم تكن هناك بيانات محلية متاحة تخص الطاقة المجسدة، أي تلك الطاقة المستخدمة في تصنيع مواد البناء ونقلها قبل استخدامها في المشاريع. أدركت أن إنشاء قاعدة بيانات علمية يمكن أن يشكل نقلة نوعية للمهتمين بالاستدامة في الأردن، ورغم محدودية الموارد خلال الماجستير، كانت هذه الفكرة هي الشرارة الأولى لانطلاقتها.

بعد تجربة قصيرة في التدريس في جامعة الزيتونة، قررت رهام أن ترفع سقف طموحاتها. ففي عام 2020، وبالرغم من العقبات التي فرضها وباء كورونا، بدأت رحلتها في جامعة (UCL) في لندن، التي تُعَد من أقوى الجامعات عالميًّا في مجال الهندسة المعمارية. تصف رهام هذه المرحلة بأنها حلم تحقق، وتقول:

“كنت أقول يومًا ما سأكون هناك، والآن أنا على مشارف التخرج بعد أربع سنوات من العمل الجاد والدعم الكبير”.

في (UCL)، وجدت بيئة محفّزة تحتضن الإبداع وتدعم الطلبة، وتلقت أول تشجيع من الجامعة بجملة لا تنساها:

“العالم بين يديك، لا حدود لأفكارك، ونحن هنا لدعمك”.

بهذا الدعم، طورت فكرتها الأولى من الماجستير إلى مشروع دكتوراه متكامل، عملت خلاله على تطوير أداة علمية رقمية تساعد في حساب الطاقة المجسدة لمواد البناء في الأردن، وتمثل موردًا مفتوحًا يمكن استخدامه من الباحثين والمهندسين وصنّاع القرار.

ورغم صعوبة الحصول على بيانات دقيقة في الأردن، حيث بعض الجهات تتردد في مشاركة المعلومات، تابعت رهام عملها بعزيمة وإصرار. ووجدت الدعم من عدة جهات، أهمها جامعة (UCL) وزميلها عدي عشرة الذي ساعد في تطوير الأداة برمجيًّا، إضافة إلى السفارة الأردنية في لندن التي قدمت دعمًا مستمرًّا طوال خمس سنوات، كما دعمت طلابًا أردنيين آخرين في بريطانيا، وكانت دائمًا على تواصل مع الجالية والطلبة.

أطلقت رهام الأداة مؤخرًا، ولاقت تفاعلًا واهتمامًا في الأردن، حيث بدأت ندوات ولقاءات حوارية تناقش موضوع الطاقة المجسدة وتطبيقاته المستقبلية. وذكرت أن الخطوة القادمة هي توسيع الأداة لتشمل دولًا عربية أخرى، ما قد يساعد في تقليل الانبعاثات الكربونية في المنطقة، ويعزز من مفهوم البناء المستدام الذي أصبح ضرورة عالمية.

في حديثها شرحت رهام بطريقة سلسة الفرق بين نوعين من الكربون في دورة حياة المباني:

الكربون المجسد (Embodied Carbon): وهو الكربون الناتج عن إنتاج المواد، ابتداءً من استخراجها، ومرورًا بتصنيعها ونقلها، وانتهاء باستخدامها في البناء.

الكربون التشغيلي (Operational Carbon): وهو الكربون الناتج عن تشغيل المبنى، كالتدفئة والتبريد والإنارة وغيرها.

وأكدت أهمية التركيز على الكربون المجسد، وبخاصة أن العديد من الدول ركّزت في السنوات الأخيرة على تقليل الكربون التشغيلي، في حين بقي المجسد مهملًا نسبيًّا رغم أثره الكبير، خصوصًا في المراحل الأولى من دورة حياة المبنى.

رهام ترى أن الاستدامة لا تتعارض مع الجمال المعماري، بل يمكن الجمع بينهما، وأن التصميم الإبداعي قادر على تحقيق التوازن بين الشكل والوظيفة والأثر البيئي.

وبوصفها امرأة عربية وباحثة أكاديمية، تحدّثت عن الصعوبات الشخصية التي واجهتها، ولا سيما في بداية رحلتها إلى لندن في ظل الإغلاق العالمي بسبب كورونا. لكن دعم عائلتها، وخصوصًا والدها، شكّل ركيزة أساسية لصمودها واستمرارها. وتقول:

“كان الانتقال صعبًا، لكن وجود الجالية الأردنية والدعم من السفارة جعلاني أشعر وكأنني بين أهلي.”

في ختام اللقاء، وجهت رهام رسالة للباحثين الشباب:

“لا تنتظر الفرص، اصنعها. لا تخف من أن تبدأ، ولو بخطوة صغيرة أو فكرة غير مكتملة؛ لأن كل جهد ستبذله اليوم هو جزء من رسالتك غدًا.”

رحلة رهام الأسمر ليست قصة نجاح أكاديمي فقط، بل نموذج لإيمان الفرد بفكرته، وسعيه لإحداث تغيير حقيقي يخدم مجتمعه المحلي والعربي، ويترك أثرًا عالميًّا في قضايا حيوية مثل الاستدامة وتغير المناخ.


اقرأ أيضًا:

اترك تعليقا

لن يتم نشر بريدك الإلكتروني.

loader-image
london
London, GB
11:46 pm, May 15, 2025
temperature icon 11°C
broken clouds
Humidity 80 %
Pressure 1027 mb
Wind 3 mph
Wind Gust Wind Gust: 10 mph
Clouds Clouds: 61%
Visibility Visibility: 10 km
Sunrise Sunrise: 5:08 am
Sunset Sunset: 8:45 pm