تعليق الرسوم الأمريكية: ماذا يعني لاقتصاد بريطانيا بعد بريكست؟

في خطوة أثارت ردود فعل متباينة في الأوساط الاقتصادية والدبلوماسية، أعلنت الولايات المتحدة عن تعليق مؤقت للرسوم الجمركية المرتفعة على نحو 60 دولة، لمدة 90 يومًا. يأتي هذا القرار في إطار محاولة لتخفيف التوترات التجارية العالمية بعد أسبوع شهد تقلبات حادة في الأسواق المالية.
وتبقى تداعيات هذه القرارات على الاقتصاد البريطاني بعد “بريكست”معقدة ومتشابكة، لا سيما في ظل التحديات المرتبطة بإعادة تموضع بريطانيا خارج الاتحاد الأوروبي، ومساعيها لإبرام اتفاقات تجارية جديدة، على رأسها مع واشنطن.
قرار التعليق: فرج أم تأجيل للأزمة؟

يمثل تعليق الرسوم الأمريكية فرج مؤقت لبعض الأسواق العالمية، إلا أنه لا يشمل الرسوم المفروضة على عدد من الدول والقطاعات المحورية، من بينها الصين وكندا والمكسيك، بالإضافة إلى واردات الصلب والألمنيوم والسيارات. كما لا تزال الولايات المتحدة تطبق رسمًا أساسيًا بنسبة 10% على جميع الواردات – وهو أعلى معدل تسجله البلاد منذ تأسيس النظام التجاري العالمي الحديث بعد الحرب العالمية الثانية.
الاقتصاد البريطاني في مرمى التأثير غير المباشر
بالرغم من أن الرسوم الأمريكية لا تستهدف بشكل مباشر الخدمات – التي تشكل النسبة الأكبر من صادرات المملكة المتحدة إلى الولايات المتحدة – إلا أن التأثير الحقيقي يكمن في سلاسل التوريد. فالكثير من الشركات البريطانية تسهم في تصنيع مكونات تُدمج لاحقًا في منتجات نهائية تُصدّر إلى السوق الأمريكية من دول أخرى. وعليه، فإن أي رسم جمركي على تلك المنتجات ينعكس على الاقتصاد البريطاني، حتى وإن لم تظهر التأثيرات مباشرة في ميزان الصادرات الوطنية.
فأكثر من ثلثي التجارة العالمية اليوم تتم من خلال سلاسل القيمة العالمية – وهي شبكات إنتاج معقدة تربط بين الشركات والموردين والمصانع عبر دول مختلفة. بريطانيا، التي كانت جزءًا من هذا النظام المتكامل خلال عضويتها في الاتحاد الأوروبي، تجد نفسها اليوم في وضع هش، إذ إن أي تغيير في مسارات هذه السلاسل قد يؤدي إلى تهميشها كمركز إنتاج، أو تحويلها إلى سوق لتصريف الفوائض الصناعية منخفضة الجودة، في ظل غياب إجراءات حمائية أو ردود تجارية انتقامية.
الاستراتيجية البريطانية: الحياد مقابل الامتيازات
وفي مواجهة هذه التحديات، تواصل لندن التزامها بسياسة عدم الرد بالمثل، على أمل كسب ثقة الولايات المتحدة. غير أن هذه الاستراتيجية لم تؤت ثمارها حتى الآن، إذ لا تزال المفاوضات بشأن اتفاق تجاري شامل بين البلدين تراوح مكانها، لأسباب سياسية وتنظيمية متعددة، أهمها الخلاف حول معايير المنتجات الغذائية، خاصة لحوم الأبقار والدواجن الأمريكية.
نافذة مؤقتة في ظل ضغوط استراتيجية
يُعد تعليق الرسوم الأمريكية فرصة مؤقتة تمنح بريطانيا مساحة للمناورة في سياق تجاري شديد التقلب، لكنه لا يضمن تحسنًا طويل الأمد. ومع تقلب السياسة التجارية الأمريكية من جهة، وضغوط التنسيق مع الاتحاد الأوروبي من جهة أخرى، تبدو المملكة المتحدة محاصرة بين قوتين اقتصاديتين، دون قدرة واضحة على ترجيح كفة أحدهما دون أن تدفع ثمنًا على الجبهة الأخرى.
إن مستقبل بريطانيا الاقتصادي بعد بريكست يتوقف بدرجة كبيرة على قدرتها على التوفيق بين متطلبات الانفتاح على الأسواق العالمية، والحفاظ على الاستقرار التنظيمي والتجاري داخل حدودها المتباينة. وتعليق الرسوم، رغم أهميته، لا يمثل أكثر من استراحة قصيرة في طريق طويل من التحديات المتراكمة.
المصدر: The Conversation
اقرأ أيضًا:
الرابط المختصر هنا ⬇