متحف فيكتوريا وألبرت يفتتح معرضًا مميزًا للأزياء والتطريز الفلسطيني في دندي

في وقت تتواصل فيه محاولات طمس الهوية الفلسطينية، اختار متحف فيكتوريا وألبرت V&A في مدينة دندي الاسكتلندية أن يفتح نافذةً مضيئةً على تاريخ النساء الفلسطينيات وحكاية وطن من خيوط.
معرض جديد بعنوان “خيط الذاكرة: تطريز من فلسطين” يُفتتح هذا الأسبوع، ويحتفي بواحدة من أعرق وأقوى أدوات التعبير الثقافي في فلسطين: التطريز.
يأتي المعرض في سياق رمزي لافت، إذ تتزامن إقامته مع مرور 45 عامًا على توأمة مدينة دندي مع مدينة نابلس في الضفة الغربية، في لحظة سياسية لا تخلو من التحديات والآلام.
تطريز مقاوم… وهوية لا تُمحى
يضم المعرض أكثر من 30 ثوبًا فلسطينيًا تقليديًا، إلى جانب أغطية للرأس، وحليّ تراثية، وصور أرشيفية نادرة، ليعيد بناء الذاكرة الجمعية للفلسطينيين من خلال فن الطّرز الذي يعود إلى ما قبل نهاية القرن التاسع عشر.
ويركّز المعرض على الكيفية التي شكّل بها التطريز اليدوي الفلسطيني – المعروف بـ”التطريز الشعبي” أو التطريز القروي – الهوية الوطنية الفلسطينية، ليس فقط باعتباره تقليدًا جماليًا، بل باعتباره أيضًا لغة مقاومة ضد الاحتلال، وأداة للتعبير عن الذات والانتماء، ووسيلة لحفظ الذاكرة من التآكل.
ويُبرز المعرض التنوع الجغرافي والثقافي لفنون الخياطة والتطريز عبر مناطق فلسطين المختلفة، حيث يحمل اللون، والقصّة، والنقش، ونوع الخيط دلالات دقيقة تعكس أصل مرتدية الثوب وهويتها الاجتماعية والثقافية.
فنانون وشهادات من فلسطين
من بين المشاركات في المعرض الفنانة الفلسطينية لينا نمري، التي تعرض تركيبًا فنيًا بعنوان “الغياب لا يعني النسيان”، في تذكير بصريّ قاسٍ ومؤثر بما خلّفته النكبة والشتات، وبما لا يزال يتعرض له التراث الفلسطيني من محاولات محو.
وتقول ليونى بيل، مديرة متحف V&A دندي: “خيط الذاكرة ليس مجرد معرض، بل هو عمل بحثي وتشاركي عميق يعكس التراث المادي الفلسطيني الغني، ويستعرض مجموعة من الأشكال الإقليمية التي تنقل قصص النساء اللواتي أبدعن هذه الأثواب وارتدينها.”
وأضافت أن المعرض يحتفي أيضًا بالعلاقة الثقافية الممتدة منذ 45 عامًا بين دندي ونابلس، ويسلّط الضوء على الإبداع الفلسطيني المعاصر في اسكتلندا وبريطانيا.
ويُعرض في المعرض ثوب تقليدي من غزة أُنقذ بعد تعرضه لأضرار في القصف الذي استهدف متحف رفح عام 2023، في إشارة مباشرة إلى محاولات محو الموروث الثقافي الفلسطيني من قبل الاحتلال.
هوية مزدوجة.. ورسالة سلام
من المعروضات البارزة في المعرض أيضًا الثوب المطرّز الذي ارتدته نادية النقلة، عضو مجلس بلدية دندي، ذات الأصول الفلسطينية-الاسكتلندية، خلال أداء القسم لزوجها حمزة يوسف عند توليه منصب الوزير الأول في اسكتلندا عام 2023.
وقالت النقلة، في تصريح صحفي: “أنا فخورة بأن يُعرض ثوبي في هذا المعرض، كرمز لهويتي الفلسطينية-الاسكتلندية، وكصوت مقاومة ناعم لكنه حاسم.” “التصميم والثقافة هما من أقوى وسائل المقاومة السلمية.
اللباس الفلسطيني ليس زينةً فقط، بل هو سرديّة كاملة عمّن نحن، ومن أين جئنا، وأيّ مستقبل نريد أن نعيش فيه بكرامة وسلام.”
وأضافت أن المعرض يأتي في لحظة من الألم والمعاناة التي يعيشها الشعب الفلسطيني، ويُعيد إحياء القصص الإنسانية من خلال التصميم والفن.
جرى تطوير المعرض بالشراكة مع متحف فلسطين في بيرزيت، وبالاستفادة من مقتنيات وخبرات محلية في الأراضي الفلسطينية، إضافة إلى تعاون مع مؤسسة “آرت جميل” ومتحف فيكتوريا وألبرت البريطاني. ويُفتح المعرض مجانًا أمام الجمهور في متحف V&A بمدينة دندي ابتداءً من يوم الخميس 27 يونيو، ويستمر حتى ربيع عام 2026.
موقف منصة العرب في بريطانيا
في وقتٍ تُمارَس فيه ضغوط مكثفة على الأصوات المتضامنة مع فلسطين في الفضاءات العامة والثقافية في بريطانيا، يشكّل هذا المعرض شهادة حية على قوة التراث في مواجهة المحو السياسي.
إن “خيط الذاكرة” ليس مجرد استذكار للماضي، بل فعل مقاومة ثقافية، وفرصة لإعادة الاعتبار للقيمة الإنسانية والجمالية للحكاية الفلسطينية.
ونحن في العرب في بريطانيا، نثمّن مثل هذه المبادرات التي تعيد توازن الخطاب العام، وتمنح للهوية العربية – والفلسطينية على وجه الخصوص – مساحة للتنفس والتعبير وسط الضجيج الإعلامي.
فالثقافة لا تُمحى، والتطريز الذي حيكت به حكايات النساء في القرى الفلسطينية، سيبقى شاهدًا لا يُطوى.
المصدر اكسبريس
إقرأ أيّضا
الرابط المختصر هنا ⬇