تحقيق: لماذا تغيرت لهجة الإعلام البريطاني تجاه العدوان على غزة من التبرير إلى الإدانة؟

بعد أكثر من عام ونصف من التغطية المتحيّزة وتبرير عدوان الاحتلال الإسرائيلي على المدنيين العزّل في غزة، بدأت بعض الصحف البريطانية الكبرى بتغيير نبرتها بصفة ملحوظة، في ظل تصاعد الاحتجاجات الشعبية وتزايد الضغوط السياسية.
ففي وقت كان فيه الإعلام البريطاني يتجاهل الحديث عن الإبادة الجماعية والتطهير العرقي، ويبرّر “حق إسرائيل في الدفاع عن النفس”، شهد شهر مايو/أيار 2025 تحوّلًا غير مسبوق في لهجة افتتاحيات صحف مثل الغارديان وفايننشال تايمز والإندبندنت وكذلك التايمز.
الإعلام البريطاني: انتقادات غير مسبوقة لنتنياهو ودعوات لوقف إطلاق النار

نددت هذه الصحف بسياسات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ودعت بوضوح إلى وقف فوري لإطلاق النار واستئناف إيصال المساعدات الإنسانية إلى غزة. وفي الـ6 من مايو، وصفت صحيفة فايننشال تايمز “صمت الغرب بشأن غزة” بأنه “مخزٍ”، أما الغارديان فقالت في الـ20 من مايو: “الفلسطينيون يحتاجون إلى أفعال لا إلى أقوال”.
ما سبب هذا التغيير؟
تُظهر التحليلات أن هذا التحوّل البارز في لهجة الإعلام البريطاني فيما يخص الحرب على غزة لا ينبع من صحوة ضمير مفاجئة، بل من إدراك نخب سياسية وإعلامية أن التصعيد الإسرائيلي يهدد استقرار المنطقة ويضعف صورة إسرائيل عالميًّا. ويُعزى ذلك جزئيًّا إلى الضغوط الشعبية الكبيرة، التي تجلّت في مظاهرات مليونية شهدتها شوارع بريطانيا.
تغيّر اللهجة دون الاعتراف بالتواطؤ
رغم الانتقادات المتزايدة، لم تُبدِ وسائل الإعلام البريطانية أي اعتراف بدورها في إضفاء الشرعية على جرائم الحرب التي ترتكبها قوات الاحتلال على مرأى العالم ومسمعه، سواء عبر ترويج الرواية الإسرائيلية الرسمية أو تجاهل المطالب بمحاسبة الحكومة البريطانية على صفقات الأسلحة والتعاون العسكري.
انقسام إعلامي يعكس ارتباكًا سياسيًّا
في تحول لافت، استخدمت صحيفة الغارديان مصطلح “إبادة جماعية” لوصف فظائع الحرب في غزة، مشيرة إلى أن إسرائيل “تخطط لغزة من دون فلسطينيين”. وهو تصريح لم يسبق لها أن أطلقته في افتتاحيات سابقة، ما يعكس حجم التغيير في إدراك بعض الصحف لحقيقة مأساة الفلسطينيين.
ورغم هذا التغيير، ما زالت بعض الصحف مثل التلغراف تلتزم الصمت، ولم تنشر أي افتتاحية عن غزة خلال الشهر، في مؤشر واضح على الانقسام داخل المنظومة الإعلامية بشأن كيفية التعامل مع ما يحدث في القطاع.
هل يكفي هذا التغيير؟
قد لا يكون كافيًا، لكن لا يمكن إنكار أهمية هذا التحوّل في الخطاب الإعلامي البريطاني. فهو يكشف عن هشاشة الدعم التقليدي لإسرائيل، ويعكس الموجة الجديدة في الرأي العام داخل بريطانيا بشأن القضية الفلسطينية.
وسائل الإعلام البريطانية بدأت تُغير نبرتها تجاه إسرائيل، إذ باتت بعض الصحف تنتقد علنًا عدوانها على غزة، بعد سنوات من التواطؤ أو الصمت. لكن هذا التغير لا يعني تحولًا جذريًّا في المواقف، بل يعكس قلقًا متزايدًا من أن إسرائيل أصبحت عبئًا على المصالح الغربية في المنطقة.
والسبب وراء هذا التحول هو تصاعد عدوان الاحتلال، واتساع رقعة الاحتجاجات الشعبية في بريطانيا، ما كسر الإجماع التقليدي على دعم لإسرائيل. ومع أهمية هذه التحولات، فإن الإعلام المرتبط بالحكومة لا يمكن الوثوق به لنقل الحقيقة عن فلسطين، فعلى المتضامنين مع غزة الاستمرار في الضغط، سواء في الشوارع أو عبر الإعلام المستقل.
المصدر: Declassified UK
اقرأ أيضًا:
- كيف غطى الإعلام البريطاني تصعيد الاحتلال إبادته لغزة؟
- كيف يستخدم اليمين المتطرف الإعلام البريطاني للتحريض ضد المسلمين؟
- أبرز شخصيات الإعلام والسياسة يشاركون في قمة الإعلام العربي بدبي 2025
الرابط المختصر هنا ⬇