تحقيق بي بي سي يكشف شبكة تستغل اللاجئين للعمل في متاجر بشكلٍ غير قانوني
كشفت بي بي سي (BBC) في تحقيق استقصائي جديد عن شبكة إجرامية كردية واسعة تُسهّل تشغيل طالبي اللجوء والمهاجرين غير الشرعيين في متاجر صغيرة تنتشر على الشوارع الرئيسية في مختلف أنحاء بريطانيا، من مدينة دندي شمالاً حتى مقاطعة ديفون جنوبًا.
ويُظهر التحقيق أن هذه الشبكة تعتمد على نظام متكامل من المديرين الوهميين، والذين يسجّلون الشركات بأسمائهم مقابل مبالغ مالية، دون أن تكون لهم أي علاقة بإدارة تلك الأعمال أو أنشطتها اليومية.
مديرون وهميون وشركات تُحلّ وتُعاد تسجيلها

بحسب التحقيق، يتقاضى هؤلاء “المديرون الوهميون” مبالغ شهرية تصل إلى 300 باوند مقابل تسجيل المتاجر بأسمائهم في السجل الرسمي للشركات البريطانية (Companies House)، رغم أنهم لا يديرونها فعليًا.
ويجري تسجيل عشرات الشركات بأسمائهم، ثم تُحلّ بعد نحو عام وتُعاد فتحها بتغييرات طفيفة في الأسماء والمعلومات لتجنّب الرقابة والضرائب، في ما وصفه خبير الجرائم المالية غراهام بارو بأنه “نمط يحمل جميع علامات الجريمة المنظمة”.
أسلوب عمل الشبكة
قام صحفيان كرديان من فريق BBC بالتخفي على أنهما طالبي لجوء، وتمكّنا من التواصل مع أفراد داخل الشبكة، ليكتشفا أن بإمكان أي شخص – حتى من دون تصريح عمل – امتلاك متجر وتشغيله بشكل غير قانوني، وتحقيق أرباح كبيرة من بيع السجائر والسوائل الإلكترونية المهرّبة.
أحد الأشخاص الذي تم التواصل معه، ويدعى سورشي، عرض على الصحفيين بيع متجره الواقع في مدينة كرو (Crewe) بمبلغ 18,000 باوند نقدًا، مؤكدًا لهم أنه “لا حاجة لأي أوراق رسمية” لتشغيل المتجر، وأنه يدفع شهريًا 250 باوند لشخص يُدعى هادي ليكون اسمه هو المسجل رسميًا في الأوراق.
وأضاف سورشي أن المتجر يدرّ أرباحًا قد تصل إلى 3,000 باوند أسبوعيًا من بيع التبغ المهرّب، وأن مفتشي السلطات لم يزوروه سوى مرة واحدة خلال خمس سنوات. كما أقرّ ببيع منتجات ممنوعة لقُصّر، قائلاً: “لدي زبائن أعمارهم 12 عامًا، ولا أمانع ذلك.”
بضائع مخبأة بحرفية عالية

خلال التحقيق، عُثر على عمال بناء أكراد يعرضون خدماتهم لتصميم مخابئ سرية داخل المتاجر لإخفاء السجائر والسوائل المهرّبة.
أحدهم أرسل مقطع فيديو لجهاز يُشبه آلة بيع سجائر مخفية تعمل بزر سري، وقال إن التكلفة تصل إلى 6,000 باوند، وإنها “مضمونة لخداع الكلاب البوليسية”.
أسماء تتكرر في السجلات الرسمية
برز اسم هادي أحمد علي، رجل كردي من مدينة برمنغهام في الأربعينيات من عمره، كأحد الأسماء المحورية في الشبكة، إذ يُسجل كمدير لأكثر من 50 شركة تشمل متاجر صغيرة ومحال حلاقة ومغاسل سيارات.
وخلال مكالمة مع أحد الصحفيين المتخفّين، قال علي إنه يستطيع إبقاء المتجر باسمه مقابل 250 إلى 300 باوند شهريًا، وحتى توفير بطاقة مصرفية مقابل عمولة إضافية.
لكن تبين لاحقًا أنه مُنع من تولي أي مناصب إدارية لمدة خمس سنوات بعد إدانته ببيع سجائر غير قانونية لقاصر، كما حُكم عليه بالسجن ستة أشهر مع وقف التنفيذ.
إلى جانبه، برز أيضًا اسم إسماعيل أحمدي فرزندة، المسجل كمدير لنحو 25 متجرًا. واعترف فرزندة للصحفيين أنه يضع المتاجر باسمه فقط، وأن محاسبًا يتولى إدارة الأوراق والبنوك.
وطلب منهم أن يبلغوه فورًا إن تم القبض عليهم، “حتى نتمكن من تغيير الأسماء وعدم التورط”، على حد قوله.
وقد تبيّن لاحقًا أن 17 متجرًا مرتبطًا باسمي علي وفرزندة تمّت مداهمتها منذ عام 2021 وضُبطت فيها بضائع مهرّبة.
استغلال طالبي اللجوء كعمالة رخيصة

أظهر التحقيق أن العديد من طالبي اللجوء الأكراد يعملون ساعات طويلة تصل إلى 14 ساعة يوميًا مقابل 4 باوند في الساعة، في انتهاك واضح لقوانين العمل البريطانية.
وأحد العمال في متجر بمدينة بلاكبول قال إنه يعمل منذ شهور مقابل أجر زهيد، وإنه “لا يخاف من مفتشي التجارة لأنهم يأخذون السجائر ويغادرون، لكن الهجرة تأخذ البصمات”.
وفي مدينة سالفورد، قال عامل آخر إنه يعيش في “حالة قانونية غامضة” ولم يتقدّم بعد بطلب لجوء رغم إقامته في البلاد منذ ستة أشهر.
تصاعد الغرامات ورد الحكومة البريطانية
أعلنت وزارة الداخلية البريطانية أن الحكومة رفعت غرامات أصحاب الأعمال الذين يشغّلون عمالًا بشكل غير قانوني إلى 60,000 باوند لكل عامل مخالف، وزادت المداهمات بنسبة 51%.
وقالت وزيرة الداخلية شابانا محمود: “العمل غير القانوني والجرائم المنظمة المرتبطة به تشجع على الدخول غير الشرعي إلى البلاد، ولن نتسامح مع ذلك.”
وترى منصة العرب في بريطانيا AUK أن التحقيق الذي أجرته BBC يُسلّط الضوء على قضية خطيرة تتعلق باستغلال الضعفاء من طالبي اللجوء والمهاجرين في أعمال غير قانونية تمسّ سمعة الجاليات وتضرّ بالمجتمع ككل.
وتؤكد المنصة أن مكافحة مثل هذه الظواهر يجب أن تتم بالتوازي مع إصلاح منظومة اللجوء والعمل في بريطانيا، بما يضمن حماية حقوق اللاجئين من جهة، وتجفيف منابع الجريمة المنظمة من جهة أخرى.
المصدر: بي بي سي
إقرأ أيضًا:
الرابط المختصر هنا ⬇
