بعد حادث هنتنغدون المروع.. هل ما زال السفر بالقطارات في بريطانيا آمنًا؟
أعاد حادث الطعن الجماعي المروّع على متن قطار شركة LNER مساء السبت، والذي خلّف 11 مصابًا بينهم موظف في حالة حرجة، طرح تساؤلات خطيرة حول أمن السفر بالقطارات في بريطانيا، ومدى جاهزية السلطات لمواجهة مثل هذه الهجمات في وسائل النقل العام.
فبينما كان الركاب في طريقهم من دونكاستر إلى لندن، تحوّلت الرحلة إلى مشهد من الرعب حين هاجم رجل يُدعى أنتوني ويليامز (32 عامًا) المسافرين بسكين بشكل عشوائي بعد مغادرة القطار محطة بيتربرة. اعتقد البعض في البداية أن ما يجري مجرد مزحة في الهالوين، لكن الصرخات والدماء سرعان ما كشفت أن الكارثة حقيقية.
استجابة سريعة وإنقاذ أرواح

ورغم فظاعة المشهد، أشاد الركاب والشرطة بسرعة التعامل مع الحادث. فقد قرر السائق أندرو جونسون، وهو جندي سابق في البحرية الملكية، تحويل مسار القطار إلى هانتغدون لتسهيل وصول الشرطة والإسعاف. ووصفت الشرطة البريطانية للنقل أحد موظفي القطار الذي حاول التصدي للمهاجم بأنه “بطل أنقذ أرواحًا عديدة”. وتم القبض على المشتبه به خلال ثماني دقائق فقط من تلقي أول مكالمة طوارئ.
وتبيّن لاحقًا أن الشرطة كانت قد أجرت في مارس الماضي تدريبًا يحاكي هجومًا بسكين على قطار متحرك، وهو ما ساعد على تطبيق خطة الاستجابة بسرعة كبيرة أثناء الحادث الحقيقي.
ولكن أثار الهجوم مخاوف متزايدة بشأن أمن القطارات في بريطانيا، خاصة أن أنظمة التفتيش فيها أقل صرامة مقارنة بالمطارات. ويصف الركاب الشعور بالعجز أثناء الاعتداء، إذ قال أحدهم لهيئة الإذاعة البريطانية (BBC): “كنا نركض بين العربات، وكل ما خطر في بالي هو: ماذا لو وصلنا إلى نهاية القطار؟”.
ودعا وزير الداخلية في حكومة الظل كريس فيلب إلى “تحرك حازم وجذري” لمكافحة جرائم الطعن، يشمل توسيع التفتيش العشوائي واستخدام تقنيات التعرف على الوجه في المحطات. فيما وعدت وزيرة النقل هايدي ألكسندر بإجراء مراجعة شاملة لأمن السكك الحديدية في أنحاء البلاد.
علمًا أن الاعتداءات على الركاب في بريطانيا ارتفعت بشكل ملحوظ، إذ تم الإبلاغ عن أكثر من 10 آلاف واقعة اعتداء بين أبريل 2024 ومارس 2025، بزيادة 7٪ عن العام السابق، إضافة إلى ارتفاع الوفيات بنسبة 26٪ خلال العام الماضي.
ويرى البعض أن أحد أسباب تراجع الأمان هو النقص الكبير في عدد العاملين بالسكك الحديدية، إذ فقد القطاع نحو 100 ألف موظف بين عامي 2019 و2023. وكشف اتحاد عمال السكك الحديدية (RMT) أن أكثر من 90٪ من العاملين يعتقدون أن تقليص الإنفاق وتسريح الكوادر الفنية يهددان سلامة الركاب.
وحتى هيئة التحقيق في حوادث السكك الحديدية (RAIB) خفضت عدد موظفيها بنسبة 8٪، ما أثار مخاوف من ضعف الجاهزية في مواجهة الطوارئ.
النساء أكثر شعورًا بعدم الأمان

أظهر استطلاع وزارة النقل البريطانية أن 29٪ من الأشخاص الذين يتجنبون ركوب القطارات يفعلون ذلك بسبب سلوك الركاب الآخرين، مع شعور النساء بدرجة أعلى من الخوف. وتقول البروفيسورة لوسي إيستهوپ، الخبيرة في إدارة الطوارئ بجامعة باث، إن النساء “يفكرن منذ زمن طويل في سلامتهن أثناء استخدام القطارات”، مضيفة أن “تراجع أعداد الحراس والسائقين وتدهور البنية التحتية يزيد المخاطر”.
وأكدت إيستهوپ أن بعض الناجين من حادث السبت “أُرسلوا إلى منازلهم بسيارات أجرة دون أي دعم نفسي أو متابعة”، معتبرة أن ذلك “يعكس انهيار منظومة الرعاية في قطاع النقل”.
ورغم الدعوات لتطبيق أنظمة تفتيش مماثلة للمطارات، استبعدت وزيرة النقل هذا الخيار لأنه “غير عملي” وسيؤدي إلى تأخير الرحلات. في المقابل، اقترح خبراء زيادة عدد عناصر الشرطة على القطارات كحل واقعي وسريع.
وحادث هنتنغدون يجب أن يكون نقطة تحول حقيقية في نظرة الحكومة البريطانية إلى أمن القطارات. فالتراجع في أعداد العاملين، وضعف الرقابة، وتقادم البنية التحتية لا يمكن تعويضها بشجاعة فردية أو خطط طوارئ محدودة.
إن أمن الركاب مسؤولية دولة لا تُترك للصدفة، ولا يمكن ضمانه دون استثمار جاد في العنصر البشري وإعادة بناء الثقة بين المسافرين وشبكة النقل العام. فما لم تُتخذ إجراءات عاجلة، قد لا يكون حادث هنتنغدون الأخير من نوعه في بريطانيا.
المصدر: independent
إقرأ أيضًا:
الرابط المختصر هنا ⬇
