ذا إيكونوميست: قوانين الإقامة الجديدة في بريطانيا تهدد مستقبل آلاف المهاجرين

في بريطانيا ما بعد البريكست، لم تعد الأزمة تقتصر على الأرقام، بل باتت تمسّ مصائر البشر. فبينما تسعى الحكومة لكبح جماح الهجرة استجابة للضغوط الشعبوية، وجد آلاف المهاجرين أنفسهم في دوامة قلق طويلة الأمد: منازل قد تُباع، وخطط تعليمية تنهار، وعائلات بأسرها تعيد التفكير في معنى الاستقرار.
مضاعفة مدة الانتظار للحصول على الإقامة الدائمة من خمس إلى عشر سنوات، كما كشفت عنها السياسات الجديدة، ليست مجرد إجراء بيروقراطي. إنها -كما يرى مراقبون- منعطف حاد في تاريخ بريطانيا بوصفها وجهة آمنة وجاذبة للكفاءات، وهي رسالة صامتة مفادها أن “من أتى ليستقر فعليه أن ينتظر أو يغادر”.
وفي ظل هذا التحوّل الحاد، تتباين مواقف القطاعات: الرعاية الصحية تستغيث، والقطاع المالي يرتجف، والشركات الصغيرة تئنّ تحت عبء البيروقراطية، فيما تلوح في الأفق موجة هجرة معاكسة نحو دول الخليج وآسيا وأمريكا الشمالية.
تشديد بلا يقين

قالت لويز هايكوك، الشريكة في شركة “فراغومن” للهجرة: إن “عشر سنوات مدة طويلة جدًّا للعيش دون يقين”، مضيفة أن “بريطانيا تمتلك في الأصل أحد أغلى أنظمة الهجرة في العالم”. وأشارت إلى أن شركتها تتلقى استفسارات متكررة من مؤسسات قلقة بشأن مستقبل موظفيها.
وبينما لم تُحسم تفاصيل السياسة الجديدة بالكامل، تحاول الحكومة تهدئة الرأي العام في ظل صعود حزب “الإصلاح” اليميني، وقد تجنّبت وزيرة الهجرة سيما مالهوترا تأكيد ما إذا كانت التعديلات ستُطبّق بأثر رجعي على المقيمين حاليًّا.
من أبرز تداعيات القرار ما سيتكبّده أولياء الأمور من تكاليف تعليمية مرتفعة، إذ سيُطلب من أبناء المقيمين غير الحاصلين على الإقامة الدائمة دفع رسوم جامعية دولية تصل إلى 50,000 باوند سنويًّا، بدلًا من 9,535 باوند فقط. هذا التفاوت المالي دفع بعض العائلات إلى التفكير بمغادرة البلاد.
وفي هذا السياق قال موظف في القطاع المالي بلندن، فضّل عدم كشف اسمه: إنه يشعر “بالخديعة”، ويفكر بالانتقال إلى دبي أو الولايات المتحدة؛ لتأمين مستقبل أطفاله. من جهتها حذّرت سيما فرازي، المسؤولة في شركة (EY)، من أن عددًا متزايدًا من المقيمين يعيدون النظر في مسألة البقاء داخل بريطانيا، رغم ارتباطهم بالمدارس والوظائف ودفع الضرائب.
في قطاع الرعاية، توقّعت دور الإيواء آثارًا قاسية على قدرتها في الاستمرار، بعدما أُعلن عن إنهاء استقدام العاملين من الخارج بحلول نهاية العام، وهو تراجع عن استثناء أُقرّ في 2022. جمعية “كير إنجلاند” وصفت القرار بأنه “سحقٌ لقطاع هش”.
في موازاة ذلك، عبّرت شركات الأدوية، والضيافة، والتأمين، عن خشيتها من القيود الجديدة، التي ترفع عتبة الأجور المطلوبة للحصول على تأشيرة عمل، وتضيف طبقات جديدة من البيروقراطية والنفقات.
أزمة صامتة في قلب لندن
أصبحت مدينة لندن، التي لطالما استقطبت الخبرات الدولية في المال والمحاماة والاستثمار، تشهد ارتباكًا داخليًّا. إحدى الموظفات في بنك دولي، كانت قد اشترت منزلًا بعد انتقالها من آسيا، عبّرت عن مخاوفها من احتمال خسارة وظيفتها في بيئة عمل لا تضمن الاستقرار لعقد كامل، وقالت إنها لو علمت بذلك مسبقًا، لما اختارت بريطانيا.
وفي الوقت ذاته، ستُجبر الشركات على دفع “رسم مهارة” إضافي قدره 1,000 باوند سنويًّا عن كل عامل أجنبي خلال خمس سنوات إضافية، حتى يُمنح الإقامة. ومع أن الشركات الكبرى قد تنجح في امتصاص هذا العبء، فإن المؤسسات الصغيرة تُواجه خطر الانهيار، بحسَب ما حذّر كريغ بومونت، المدير التنفيذي لاتحاد الشركات الصغيرة.
دقّت تحذيرات جديدة ناقوس الخطر من تأثير هذه السياسات على جاذبية بريطانيا للعقول والخبرات. فقد توقّعت جمعية “لويدز” للتأمين أن يخسر القطاع 260ألف من أصحاب المهارات بحلول عام 2035، ما لم تُعد صياغة نظام التأشيرات بما يراعي الأبعاد الأسرية والاقتصادية.
وصرّح ريتشارد هاريس، المدير القانوني في شركة “روبرت والترز” للتوظيف، بأن هذه الإجراءات “تُضيّق الخناق على استخدام الكفاءات ذات المهارة العالية”، مضيفًا أن الرسالة الضمنية ليست تنظيم الهجرة، بل “ردع أصحاب الخبرات”.
أما المحامية كاثرين تاروني، المتخصصة في قضايا الهجرة، فأشارت إلى أن الورقة البيضاء التي تقترح هذه السياسات “فضفاضة وشبه شاملة”، مؤكدة أن القلق يتزايد حتى بين المقيمين الذين استقروا في البلاد منذ سنوات.
موقف منصة العرب في بريطانيا (AUK):
تعبّر منصة العرب في بريطانيا عن قلقها العميق إزاء هذا التوجّه الحكومي، الذي لا يكتفي بتقييد فرص المهاجرين الجدد، بل يُعيد رسم ملامح الإقامة والاستقرار للمقيمين فعليًّا. إن سياسة تمديد فترة الإقامة الدائمة إلى عشر سنوات، دون ضمانات قانونية واضحة، تُهدد شرائح واسعة من أبناء الجاليات العربية، وتُعرّض حقوقهم الاقتصادية والتعليمية والاجتماعية للانهيار.
وتنبّه المنصة إلى ضرورة التمييز بين السياسات المنظمة للهجرة، والسياسات العقابية التي تُخضع الاستقرار الاجتماعي لمعادلات انتخابية آنية. كما تدعو إلى حماية المهاجرين من الوقوع ضحايا خطابات التحريض والتسييس، والعمل على ترسيخ نموذج قانوني عادل يحفظ كرامة المهاجرين، ويعترف بدورهم البنّاء في المجتمع البريطاني.
المصدر ايكونوميست
إقرأ أيّضا
الرابط المختصر هنا ⬇