الغارديان: هل سياسة الهجرة لحزب العمال مجرد شعار؟

في الساعات الأولى من صباح الثلاثاء، شهدت مدينة شيفيلد البريطانية عملية أمنية بارزة، حيث تجمّع ستة من ضباط تنفيذ قوانين الهجرة في موقف سيارات مهجور تابع لمتجر B&Q، برفقة فريق تصوير من بي بي سي (BBC). انتظر الجميع تحت المطر مكالمة من لندن لإطلاق مداهمات متزامنة ضد مهربين مشتبه بهم في ست بلدات مختلفة.
وبعد أربعين دقيقة، انطلقت قافلة سيارات تابعة لوزارة الداخلية نحو مبنى سكني قريب. رافقهم طاقم BBC وصحيفة الغارديان. صعد الفريق الدرج وهم يحملون كبّاشًا أحمر لتحطيم الباب، لكنهم لم يحتاجوه، إذ فتح المشتبه به الباب مرتديًا بيجاما مقلمة، وتمّ اعتقاله بهدوء بعد منحه وقتًا لارتداء ملابسه، وسط توتر بدا جليًا على وجهه المتصبب عرقًا.
بث تلفزيوني ورسائل سياسية مباشرة

لاحقًا في نفس اليوم، بثت BBC وITV News لقطات من العملية، بينما ظهر وزير الأمن دان جارفس مرتديًا سترة مقاومة للطعن في تشيلتنهام، يتابع إحدى الاعتقالات ضمن الحملة. بدوره، نشر رئيس الوزراء كير ستارمر صورًا من المداهمات على منصة “إكس”، مرفقًا تعليقًا قاطعًا: “عندما قلت إننا سنسحق عصابات تهريب البشر، كنت أعني ذلك.”
أرقام مثيرة للقلق حول القوارب الصغيرة
جاءت هذه التحركات في وقت تواجه فيه الحكومة ضغوطًا متزايدة بسبب فشلها في وقف تدفق القوارب الصغيرة. فقد سجل يوم السبت السابق وصول 1,195 مهاجرًا عبر 18 قاربًا، وهو الرقم الأعلى هذا العام، ليرتفع إجمالي عدد الوافدين في عام 2025 إلى 14,811 شخصًا، بزيادة 42% عن العام الماضي، و95% عن عام 2023. وقد وصف وزير الدفاع جون هيلي هذا الوضع بأن “بريطانيا فقدت السيطرة على حدودها خلال السنوات الخمس الأخيرة”.
اتهامات بـ”التهرب” وانتقادات من المعارضة
اتهم نواب حزب المحافظين الحكومة بـ”تحميل الطقس المسؤولية”، فيما دعا زعيم حزب الإصلاح، نايجل فاراج، إلى إعلان حالة طوارئ وطنية بشأن الهجرة غير الشرعية، معتبرًا أن “الرأي العام لن يقبل بهذا الوضع”.
“سحق العصابات”: نجاح مزعوم أم دعاية إعلامية؟

رغم الترويج الإعلامي الواسع، كشفت تحقيقات الغارديان أن المداهمات التي وُصفت بأنها موجهة ضد شبكات تهريب القوارب الصغيرة، لم تكن في الحقيقة مرتبطة بها. إذ أن الأشخاص الستة المعتقلين يُشتبه في مساعدتهم لأكثر من 200 شخص من بوتسوانا على الدخول إلى المملكة المتحدة باستخدام تأشيرات سياحية، وتزويدهم بوثائق مزورة لتقديم طلبات لجوء أو العمل في دور الرعاية.
واعتبرت وحدة التحقيقات الجنائية والمالية في وزارة الداخلية أن هذه القضية تُعد من بين “أهم عشر قضايا” من حيث العوائد المحتملة، وعدد المتورطين، ومخاطر استغلال الضحايا.
أرقام الإدانة… لا تعني بالضرورة النجاح
أوضحت وزارة الداخلية أنها أدانت 53 مهربًا خلال الفترة من يوليو إلى نوفمبر 2024، من بينهم 23 شخصًا قادوا القوارب، ما أدى إلى أحكام بالسجن تجاوزت 52 عامًا. لكن وولش أشار إلى أن هذه الأرقام قد لا تؤثر بشكل كبير في وقف العمليات، حيث أن “المهربين الصغار يُستبدلون بسهولة، كما هو الحال في تجارة المخدرات”، مؤكدًا أن الشبكات باتت “لامركزية، ممولة بشكل جيد، ويديرها أفراد من دول مثل أفغانستان حيث لا يوجد تعاون أمني فعال مع المملكة المتحدة”.
لاجئون وضحايا اتجار… في قبضة القانون
ترافق هذه السياسات المتشددة مع انتقادات من نشطاء حقوق الإنسان، الذين يرون أن الخطاب السياسي تجاه المهاجرين عبر القنال لا يراعي كون الكثير منهم يفرون من حروب واضطهاد، خاصة من دول مثل أفغانستان وسوريا وإريتريا.
ووفقًا لدراسة حديثة من جامعتي أكسفورد وBorder Criminologies، فإن مئات الأشخاص الذين سُجنوا منذ عام 2022 بسبب دخولهم عبر القوارب الصغيرة هم في الحقيقة لاجئون وضحايا اتجار بالبشر والتعذيب، بينهم 17 طفلًا اتُهموا بـ”تسهيل التهريب” لمجرد أنهم أمسكوا بمقود القارب.
رأي منصة العرب في بريطانيا (AUK)
وفقًا لمنصة “العرب في بريطانيا”، فإن التعاطي الإعلامي مع قضايا الهجرة يجب أن يتسم بالدقة، والواقعية، واحترام كرامة الإنسان، بغض النظر عن خلفيته أو ظروفه. ترى المنصة أن ما ورد في هذا التقرير يُسلّط الضوء على الفجوة المتزايدة بين الخطاب السياسي والواقع الميداني، ويطرح تساؤلات مشروعة حول فعالية السياسات الحالية في معالجة جوهر الأزمة. كما تؤكد المنصة على أهمية اعتماد مقاربات شاملة تتضمن التعاون الأوروبي، وفتح قنوات قانونية وآمنة للجوء، والتوقف عن تصوير المهاجرين كخطر أمني، بل التعامل معهم كضحايا أزمات دولية يتطلبون الحماية والعدالة.
المصدر: الغارديان
إقرأ أيضًا:
الرابط المختصر هنا ⬇