الطلاب الدوليون يغيّرون وجهتهم من أمريكا إلى بريطانيا بسبب قيود التأشيرات

في عالمٍ يتغيّر فيه المشهد التعليمي بتقلبات السياسة أكثر مما يتأثر بتقارير الجودة الأكاديمية، بدأت معالم تحوّل عالمي تبرز في قرارات الطلاب الدوليين، الذين باتوا يعيدون توجيه بوصلتهم من الجامعات الأمريكية إلى نظيراتها البريطانية. ويأتي هذا التحوّل في ظل مقترحات إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لتشديد قيود التأشيرات على الطلاب الأجانب، وهي سياسات يُنظر إليها على نطاق واسع باعتبارها طاردة للطلاب الدوليين ومهددة لمكانة الولايات المتحدة كمركز عالمي للمعرفة.
لم تعد الكلفة المادية أو تصنيفات الجامعات وحدها المحدد الرئيسي لاختيارات الطلبة، بل أضحى الاستقرار السياسي والوضوح القانوني عنصرين حاسمين في اختيار الوجهة الدراسية. فوفقًا لبيانات منصات التقديم الجامعي، تراجعت عمليات البحث عن الدراسة في الولايات المتحدة بنسبة تصل إلى 50٪ بين 5 يناير و30 أبريل 2025، في وقتٍ بدأت فيه بريطانيا تتهيأ لاستقبال موجة جديدة من الطلاب الذين لم يعودوا يثقون بمستقبلهم الأكاديمي في الجامعات الأميركية.
تحوّلات في المزاج الطلابي العالمي
البروفيسور سايمون مارجينسون، أستاذ التعليم العالي الدولي في جامعة أكسفورد، يرى أن هذه المؤشرات تعكس “تحولًا جوهريًا في الإدراك العام”، حيث أصبحت المخاوف من البيئة السياسية في أمريكا تضاهي المخاوف التقليدية من الرسوم أو صعوبة القبول. ويعكس ذلك مزاجًا جديدًا يربط بين مصير التعليم ومزاج الأنظمة السياسية.
المخاوف نفسها بدأت تتسلل إلى أوساط الطلاب البريطانيين الذين اعتادوا التقديم إلى الجامعات الأمريكية. ديفيد هوكينز، مستشار تعليمي ومؤسس شركة The University Guys، يشير إلى أن “الطلاب الذين يملكون خيارات متعددة يضعون علامات استفهام كبرى حول الولايات المتحدة الآن”، وأن العديد منهم بدأ فعليًا في البحث عن “خطة بديلة” في كندا، أو في جامعات النخبة البريطانية مثل أكسفورد وكامبريدج.
وتؤكد سام كوكس، مديرة خدمات العملاء في شركة A-List Education، أن النقاشات لم تعد تدور حول فرص القبول في أمريكا فقط، بل حول: “ما الخطة البديلة إذا استمر الغموض؟ وما الدول التي توفر استقرارًا قانونيًا وأكاديميًا أكبر؟”.
تُعَدّ هذه التحولات مكسبًا ماليًا مباشرًا للجامعات البريطانية، إذ يدفع الطالب الدولي ما يصل إلى 20 ألف باوند سنويًا، وهو مبلغ يساهم بشكل مباشر في تمويل الأبحاث وتعويض الخسائر الناتجة عن تدريس الطلاب المحليين، بحسب نيك هيلمان، مدير “معهد سياسات التعليم العالي” في أكسفورد.
لكن هيلمان يحذر من أن هذا المكسب الآني قد يُخفي وراءه تحديات عميقة، خاصة مع احتمال تضرر التعاون البحثي بين الجامعات البريطانية ونظيراتها الأميركية. ويؤكد أن “أكسفورد لن تفرح إذا واجهت هارفرد صعوبات، لأن الجامعتين تعملان سويًا في مشاريع علمية، والحدود السياسية لا يجب أن تفصل بين العقول”.
ضغط على فرص الطلاب المحليين

في مقابل المكاسب الاقتصادية، تزداد المخاوف من أن يؤدي هذا الإقبال الدولي إلى تضييق الخناق على فرص الطلاب المحليين، خاصة من أبناء الطبقات المحرومة. وتلفت البروفيسورة كالوونت بهاوبال، أستاذة العدالة الاجتماعية في جامعة برمنغهام، إلى أن “الواقع المالي للجامعات يجعلها تميل لتفضيل من يدفع أكثر”، مشيرة إلى أن “الجامعات باتت تدير بواباتها بمنطق السوق، لا بمنطق الإنصاف”.
ويشير خبراء إلى أن تأثير هذه السياسات لا يقتصر على تطبيقها الفعلي، بل يتصل أيضًا بالتصورات التي تخلقها. فحتى من دون تفعيل القوانين المقترحة، يكفي الحديث عنها لزرع القلق لدى الطلاب وأُسرهم. يقول نيكولاس بار، أستاذ الاقتصاد العام في كلية لندن للاقتصاد: “مجرد شعور الأهل بأن مستقبل أبنائهم قد يكون مهدّدًا كفيل بتغيير قراراتهم”.
إلى جانب الجانب التعليمي، فإن هذه التحولات تمس العمق الاستراتيجي للقوة الناعمة الأميركية. يشير مارجينسون إلى أن “أكثر من نصف أبحاث الدراسات العليا في مجالات مثل الفيزياء والهندسة تُنجز في الولايات المتحدة على يد طلاب من الصين والهند”، ما يضع هذه القطاعات في مهبّ الاضطراب.
ويضيف هيلمان أن “الولايات المتحدة تحتفظ بموقع قيادي عالمي بفضل التعليم”، مستشهدًا بإحصاءات تُظهر أن عددًا كبيرًا من قادة العالم تلقوا تعليمهم في الجامعات الأميركية. وبفقدان هذا الزخم، تتراجع قدرة واشنطن على التأثير في النخب السياسية حول العالم.
منصة العرب في بريطانيا: مكاسب بريطانيا تضعها أمام مسؤولية أخلاقية
في خضم هذا التحول، ترى منصة العرب في بريطانيا أن تحوّل الطلاب الدوليين نحو بريطانيا لا يعكس فقط تراجع جاذبية أمريكا، بل يضع الجامعات البريطانية أمام مسؤولية تاريخية مزدوجة: أن تظل منارات مفتوحة أمام العقول العالمية، دون أن تتحول إلى مؤسسات انتقائية محكومة بالربح.
وتؤكد المنصة أن استضافة النخبة لا ينبغي أن تُبنى على حساب الفئات الأقل حظًا، وأن التعليم يجب أن يبقى، قبل كل شيء، حقًا عادلًا لا امتيازًا طبقيًا. فالدفاع عن قيم العدالة والانفتاح لا يكون بالشعارات، بل بكيفية إدارة أبواب الجامعات في زمن تعصف فيه السياسة بأحلام الطلاب عبر القارات.
المصدر ان بي ار
إقرأ أيّضا
الرابط المختصر هنا ⬇