قادة الشرطة البريطانية يطالبون بحظر وسائل التواصل الاجتماعي للأطفال

طالب عدد من كبار قادة الشرطة في المملكة المتحدة الحكومة باتخاذ إجراء حاسم يتمثل في حظر استخدام وسائل التواصل الاجتماعي على الأطفال دون سن 16 عامًا، في خطوة تُنذر بتصعيد المواجهة مع شركات التكنولوجيا، وسط اتهامات بأن هذه المنصات الرقمية تغذي الجريمة وتمكّن من وقوعها.
وجاءت هذه الدعوات في تصريحات أدلى بها أربعة من أبرز الشخصيات الأمنية في البلاد لصحيفة التايمز، في أعقاب تصاعد القلق المجتمعي منذ صدور فيلم Adolescence على منصة نتفليكس، الذي سلّط الضوء على التأثيرات النفسية والاجتماعية العميقة للتكنولوجيا على المراهقين. وشدد الضباط على أن فرض قيود إضافية على هذه المنصات بات ضرورة ملحة، حمايةً للأمن العام، والأمن القومي، والصحة النفسية للأطفال والشباب.
قنوات مباشرة للاستغلال

حذرت سارة كرو، قائدة شرطة أفون وسومرست والمسؤولة الوطنية عن قضايا الاغتصاب والاعتداءات الجنسية الجسيمة، من أن المنصات الرقمية أصبحت وسيلة مباشرة تتيح للمعتدين استهداف الفئات الهشة من الأطفال والمراهقين.
وقالت كرو: “الشباب بطبيعتهم فئة ضعيفة، وهذه المنصات تمنح الجناة قناة مباشرة لإلحاق الأذى. الوضع يشبه الغرب الأمريكي في خمسينيات القرن التاسع عشر، حيث كانت المساحة تتوسع سريعًا في غياب التنظيم والقانون.”
وشبّهت المسؤولة الأمنية التحدي الراهن بما واجهته الدولة خلال جائحة كوفيد-19، مؤكدة أن الوضع يستدعي تكاتف جميع مكونات الدولة والمجتمع المدني والقطاع التطوعي.
أما ماجي بليث، القائمة بأعمال قائدة شرطة غلوسترشير والمسؤولة الوطنية عن ملف العنف ضد النساء والفتيات، فرأت أن تأثير وسائل التواصل لا يهدد فقط الأطفال، بل يُقوّض نسيج المجتمع البريطاني بأكمله.
وأضافت: “نشهد حالات يقوم فيها الشباب بتقليد سلوكيات عنيفة مثل الخنق لأنهم يرونها منتشرة على الإنترنت. هناك محتوى مروّع يُعاد إنتاجه ويُطبع ضمن الثقافة اليومية.”
ودعت بليث إلى تبنّي مقاربة شاملة، تشمل الحظر وتحسين التثقيف الرقمي، مشيدة بالنموذج الأسترالي الذي سبق بريطانيا في حظر وسائل التواصل لمن هم دون 16 عامًا.
دعم واسع بين قيادات الشرطة

انضم تيم دي ماير، قائد شرطة سري، إلى الدعوات المطالبة بالحظر، قائلًا إن العلاقة بين وسائل التواصل والجريمة لم تعد محل جدل: “من الواضح بالنسبة لي أن هذه المنصات تغذي الجريمة وتمكّن من ارتكابها. الحظر لمن هم دون 16 عامًا قرار بديهي.”
من جانبه، أشار مات جوكس، رئيس وحدة مكافحة الإرهاب في بريطانيا، إلى معطيات صادمة تفيد بأن 20% من الموقوفين في قضايا الإرهاب العام الماضي كانوا من الأطفال، محذرًا من أن الجماعات المتطرفة باتت تستخدم الإنترنت لتجنيد الشباب ونشر أيديولوجياتها.
وأوضح جوكس أن قانون السلامة على الإنترنت، الذي فُرض مؤخرًا لتشديد الرقابة على المحتوى غير القانوني، يبقى غير كافٍ، رغم ضرورته، مشددًا على أن الحماية التشريعية الحالية لا ترقى إلى مستوى التهديد.
أعرب نيل باسو، نائب مفوض شرطة لندن السابق، عن استغرابه من تجاهل العلاقة بين المحتوى العنيف والسلوك العدواني، قائلًا: “بعد ثلاثة عقود في الشرطة، أرفض الاعتقاد بأن الصور العنيفة لا تؤثر على السلوك البشري. من السخيف اعتبارها غير ضارة. نعم، يجب الحظر، وسن 16 عامًا يبدو منطقياً تمامًا.”
ورغم هذا الإجماع الأمني، فإن تقريرًا للأمم المتحدة أشار إلى عدم وجود أدلة قاطعة تربط بشكل مباشر بين استخدام وسائل التواصل الاجتماعي وتزايد السلوك العنيف.
وأوضح التقرير أن التطرف العنيف يُبنى على مزيج من العوامل السياسية والاجتماعية والنفسية والثقافية، وأن الإنترنت يمثل إحدى أدوات التعبئة لا مصدرها الوحيد.
الحكومة: “كل الخيارات مطروحة”

وعند سؤالها حول ما إذا كانت الحكومة تدرس فرض حظر رسمي على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لمن هم دون 16 عامًا، قالت وزيرة الداخلية يفيت كوبر في تصريح سابق لصحيفة التايمز: “لا يمكن استبعاد أي خيار عن الطاولة.”
في وقت تتسع فيه الهوة بين الحريات الرقمية ومخاوف الأمن العام، يبدو أن بريطانيا تقف أمام مفترق طرق تشريعي حاسم. فبينما ترتفع الأصوات المطالبة بفرض حظر صارم لحماية الأطفال، يبرز في المقابل نقاش قانوني وأخلاقي بشأن حرية التعبير، وحقوق الوصول إلى التكنولوجيا، ومسؤوليات شركات التكنولوجيا العملاقة.
والسؤال المطروح: هل تُقدِم الحكومة البريطانية على كبح المنصات الرقمية دفاعًا عن الأجيال القادمة؟ أم أن مصالح السوق وأجندات النفوذ الرقمي ستواصل تأجيل الإصلاح؟
إقرأ أيّضا
الرابط المختصر هنا ⬇