الحكومة البريطانية تغيّر إرشادات التغذية وتتراجع عن دعم الخيارات الصحية
كشفت صحيفة الغارديان البريطانية عن تراجع وزارة الصحة والرعاية الاجتماعية في إنجلترا عن نصيحة قانونية كانت تهدف إلى تشجيع تجار التجزئة على تقديم عروض ترويجية للأطعمة الصحية قليلة المعالجة، وذلك بعد حملة ضغط قوية من اتحاد الأغذية والمشروبات (FDF) الذي يمثل شركات عالمية مثل نستله، كوكاكولا، مارس، ويونيلفر.
وكانت الحكومة البريطانية قد أصدرت إرشادات إلى آلاف المتاجر والمواقع الإلكترونية لمساعدتها في الامتثال للقوانين الجديدة المقرر تطبيقها في أكتوبر 2025، والتي تقيد الترويج للأطعمة عالية الدهون والملح والسكر (HFSS). وتضمنت الإرشادات نصًا واضحًا يشجع على “تحويل العروض الترويجية نحو الأطعمة الصحية مثل الفواكه، الخضروات، الحبوب الكاملة، اللحوم والأسماك الطازجة”.
تراجع مفاجئ تحت ضغط اللوبي الصناعي
غير أن هذا التوجه لم يدم طويلًا. فقد مارس اتحاد الأغذية والمشروبات ضغوطًا متواصلة على وزارة الصحة لإلغاء أي إشارة إلى “الأطعمة قليلة المعالجة” من الإرشادات. ووفقًا لوثائق ورسائل بريد إلكتروني حصلت عليها صحيفة الغارديان عبر قانون حرية المعلومات، بدأت الضغوط في أكتوبر 2022 واستمرت حتى أبريل 2023.
وفي رسالة إلكترونية بتاريخ 2 أكتوبر 2022، أعرب أحد ممثلي الاتحاد عن استيائه من استمرار ذكر “الأطعمة قليلة المعالجة” في الإرشادات، مطالبًا بإزالتها الفورية. وأكد في رسالة لاحقة: “نعتقد أن النص الحالي يوحي بأن الحكومة تعتبر الأطعمة المُعالجة غير صحية بطبيعتها، وهو أمر لا نتفق معه ولا تدعمه الأدلة العلمية”.
وبالفعل، في 3 يناير 2023، أبلغت الوزارة الاتحاد بنيتها إزالة الإشارة إلى الأطعمة قليلة المعالجة من التوجيهات، وهو ما حدث لاحقًا في نسخة الإرشادات المنشورة على الموقع الرسمي للحكومة.
إزالة المصطلحات من الوثائق الرسمية وانتصار معلن للاتحاد
بحسب الغارديان، فإن النسخة الحالية من الإرشادات لا تتضمن أي ذكر لعبارات “قليلة المعالجة” أو “مغذية”. كما تباهى اتحاد الأغذية والمشروبات بهذا الإنجاز عبر قسم “النجاحات الرئيسية” في موقعه الإلكتروني – قبل أن يُحذف لاحقًا – حيث ذكر أن “الاتحاد نجح في إزالة الإشارة إلى ‘قليلة المعالجة’ من إرشادات العروض الترويجية”.
كما أشار الاتحاد إلى نجاحه في الضغط على الحكومة الاسكتلندية أيضًا، وذلك بمنع استخدام مصطلح “الأطعمة فائق المعالجة” في مشروع قانون “الأمة الغذائية الجيدة”.
خبراء الصحة: خطوة تضر بالصحة العامة وتخدم أرباح الشركات
انتقد خبراء ومؤسسات صحية هذه الخطوة، معتبرين أنها تصب في مصلحة أرباح شركات الأغذية وتتناقض مع جهود تحسين الصحة العامة. وقالت كاثي كليف من جمعية “سويل” التي حصلت على الوثائق:
“من الواضح أن هذا القرار يخدم مصالح مصنّعي الأغذية فائق المعالجة أكثر من خدمة صحة المستهلكين”.
ويُذكر أن العديد من الأطعمة فائق المعالجة، مثل مشروبات الطاقة ورقائق البطاطس وألواح الحبوب وبعض أنواع البيتزا والآيس كريم، لا تزال تُصنّف ضمن “الخيارات الصحية” حسب التعريف الجديد، رغم كونها مصممة لتحفيز الاستهلاك المفرط وتُعدّ سببًا رئيسيًا في أزمة السمنة.
نصف النظام الغذائي للبريطانيين من أطعمة فائق المعالجة
تشير الأبحاث إلى أن نحو 50 في المئة من النظام الغذائي للمواطن البريطاني العادي يتكوّن من أطعمة فائق المعالجة، وترتفع النسبة إلى 80% بين الفئات الأصغر سنًا والأقل دخلًا. وتشمل هذه الأطعمة المنتجات الصناعية التي تحتوي على نسب عالية من الدهون والملح والسكر، وغالبًا ما تكون مصممة خصيصًا لتزيد من الرغبة في تناولها بشكل مفرط.
وتُظهر الدراسات أن هذا النوع من الأغذية مرتبط بزيادة خطر الوفاة المبكرة، إذ يُعتقد أنه يساهم في وفاة واحدة من كل سبع وفيات مبكرة، بما في ذلك ما لا يقل عن 17,000 حالة وفاة سنويًا في إنجلترا وحدها.
ردود رسمية متباينة من الحكومة
وفي تعليق رسمي، قالت وزارة الصحة والرعاية الاجتماعية: “حدث هذا التغيير في ظل الحكومة السابقة. أما الحكومة الحالية فهي ملتزمة بمكافحة السمنة وبناء بريطانيا أكثر صحة”.
وأضافت أنها تتخذ خطوات لمنع إعلانات الوجبات السريعة الموجهة للأطفال عبر الإنترنت والتلفزيون، كما منحت السلطات المحلية صلاحيات أقوى لحظر افتتاح مطاعم الوجبات السريعة قرب المدارس.
أما المتحدث باسم الحكومة الاسكتلندية فأوضح أن مصطلح “الأطعمة فائق المعالجة” لم يُستبعد من قانون “الأمة الغذائية الجيدة”، بل إن القانون نفسه لم يتضمن سياسات محددة لأنه تشريع إطاري.
من جانبه، صرّح اتحاد الأغذية والمشروبات بأنه يتعاون بشكل دوري مع الحكومة لضمان توافق الإرشادات مع نصوص التشريعات، وأن ذكر “درجة المعالجة” في الإرشادات بينما لا تظهر في التشريع كان سيؤدي إلى ارتباك لدى قطاع الأعمال.
المصدر: الغارديان
إقرأ أيضًا:
الرابط المختصر هنا ⬇