الجارديان: السجون الإسرائيلية تتحول إلى جبهة حرب ضد الأسرى الفلسطينيين
من قلب المنفى في القاهرة، تحدث الكاتب الفلسطيني ناصر أبو سرور، الذي أُفرج عنه مؤخرًا بعد أكثر من ثلاثين عامًا في السجون الإسرائيلية، عن رحلة الألم الطويلة التي عاشها بين جدران الزنازين، كاشفًا عن تصاعد مروّع في ممارسات التعذيب والإذلال بحق الأسرى الفلسطينيين خلال العامين الأخيرين، ومعتبرًا أن إسرائيل بدأت “تتعامل مع السجون كجبهة أخرى في حربها على غزة”.
أبو سرور، البالغ من العمر 56 عامًا، يُعد من أبرز الأصوات الأدبية الفلسطينية التي وُلدت خلف القضبان. تُرجمت مذكراته “حكاية جدار: تأملات في الأمل والحرية” إلى سبع لغات، ورُشّحت لنيل جائزة الأدب العربي التي يمنحها معهد العالم العربي في باريس. وقد كان واحدًا من أكثر من 150 أسيرًا فلسطينيًّا محكومين بالمؤبد، أُفرج عنهم ضمن صفقة تبادل أعقبت وقف إطلاق النار في غزة بوساطة أمريكية، ليُنقل بعدها مباشرة إلى مصر، حيث يعيش الآن في ظروف غير مستقرة.
جبهة جديدة خلف الأسوار

يروي أبو سرور أن أوضاع السجون الإسرائيلية تغيّرت جذريًّا بعد اندلاع الحرب على غزة في أكتوبر 2023، حيث تحوّل التعذيب إلى ممارسة يومية منظمة. وقال: “تبدّل زي الحراس، وأضيفت إليه شارة كُتب عليها كلمة (مقاتلون). صاروا يتصرفون كما لو أنهم في معركة، يضربون ويعذّبون ويقتلون كجنود في ميدان حرب”.
ووفق لجنة أممية، استشهد 75 فلسطينيًّا في الحجز الإسرائيلي بين أكتوبر 2023 وأغسطس 2025، رغم نفي سلطات الاحتلال المتكرر لممارسة التعذيب.
من العتمة إلى الضوء
يتحدث أبو سرور من القاهرة عن الصدمة النفسية العميقة التي أصابته حين نُقل مباشرة من ظروف اعتقال قاسية إلى فندق فاخر، حيث نزل مع زملائه الأسرى ضيوفًا لدى السلطات المصرية. قال: “لم أدخل فندقًا من قبل. كنتُ كطفل يكتشف العالم للمرة الأولى: المصعد، والغرفة، وخدمة الطعام، وكذلك كيفية استخدام الدش”.
لم تكن صدمته في الرفاهية وحدها، بل في لقاء عائلته للمرة الأولى منذ 33 عامًا، إذ التقى بشقيقه وأربع من شقيقاته، قائلًا: “كان الأمر مؤلمًا. لم أعرف كيف أحتضنهم بعد كل هذه السنين”.
سجون تتحول إلى قبور

أبو سرور، الذي اعتُقل خلال الانتفاضة الأولى (1987-1993) بتهمة التواطؤ في مقتل ضابط من جهاز “الشاباك”، حُكم عليه عام 1993 بالسجن المؤبد بناءً على اعتراف انتُزع منه تحت التعذيب. وخلال عقود سجنه الطويلة، حصل على البكالوريوس والماجستير في العلوم السياسية، وبدأ كتابة الشعر والمقالات التي هُرّبت خفية إلى خارج السجن.
ويقول: إن السنوات الأخيرة كانت الأقسى، إذ سُحبت جميع مواد القراءة والكتابة، وحرمت إدارة السجون المعتقلين من أبسط مظاهر الحياة الإنسانية. “لم يبقَ في السجن سوى الحياة البيولوجية، كنا نحاول النجاة فقط. كنا دائمًا جائعين، فقدتُ 12 كيلوغرامًا من وزني”.
أما الملابس، فكانت محدودة للغاية: “كان يُسمح لنا بارتداء طبقة واحدة من الثياب الخفيفة. كنا نرتجف بردًا في الليالي الباردة، وأجسادنا ضعفت حتى لم تعد تتحمل حرارة الغرفة”.
ممارسات التعذيب الأخيرة قبل الحرية

قبل ساعات من الإفراج عنهم ضمن صفقة وقف إطلاق النار، تعرّض الأسرى لجولة تعذيب إضافية من الضرب المبرح والإهانة.
وخلال الرحلة بالحافلات التي استغرقت 48 ساعة عبر إسرائيل نحو معبر رفح، لم يُسمح لهم حتى بفتح الستائر، ولم يرَ أبو سرور السماء إلا بعد عبوره الحدود إلى مصر.
يصف الكاتب مشهد الإفراج بأنه “سريالي ومؤلم في آن واحد”. فبعد نشر صحيفة ديلي ميل البريطانية تقريرًا وصفت فيه مكان إقامتهم بـ”فندق حماس”، نُقل الأسرى سريعًا إلى فندق آخر في الصحراء المصرية، في مشهد ذكّره -كما يقول- بأنهم “ما زالوا بلا حرية حقيقية”.
ما بعد الأسر… حرية غير مكتملة
اليوم، يفكر أبو سرور في وجهته المقبلة، حيث عُرضت عليه خيارات لعدة دول يمكنه الإقامة فيها، لكنه يبحث عن بلد يسمح له بمواصلة الكتابة والتواصل مع أسرته. ويقول: “لا أريد دولة مريحة. أريد مكانًا فيه أسئلة وقضية”.
إن شهادة ناصر أبو سرور تمثل وثيقة إنسانية مؤلمة تكشف الوجه المسكوت عنه من السياسات الإسرائيلية داخل السجون، حيث يُعامل الفلسطينيون كأعداء حرب لا كسجناء مدنيين. كما أن الصمت الدولي حيال هذه الانتهاكات يكرّس ثقافة الإفلات من العقاب، ويطرح تساؤلات جدّية عن ازدواجية المعايير في التعامل مع قضايا حقوق الإنسان في الشرق الأوسط، حيث إن أصوات الأسرى يجب أن تُسمع لا أن تُنفى؛ لأنهم شهود على مرحلة من أكثر فصول الظلم وحشية في التاريخ المعاصر.
المصدر: الغارديان
اقرأ أيضًا:
الرابط المختصر هنا ⬇
