طلاب جامعة كامبريدج يحتجون على تجريم التضامن مع فلسطين

لم يعد الحرم الجامعي في كامبريدج مجرد ساحة أكاديمية؛ بل تحوّل إلى مسرح مواجهة بين طلاب يرفعون لواء العدالة لفلسطين، وإدارة جامعية تردّ بإجراءات قضائية وأمنية. في قلب واحدة من أعرق جامعات العالم، يتجدد الصراع بين حرية التعبير ومصالح الاستثمار، بين صوت الضمير الطلابي وقيود البيروقراطية، في لحظة تختبر فيها بريطانيا نفسها: هل تقف إلى جانب المبادئ… أم إلى جانب السوق؟
تصعيد طلابي ضد أوامر قضائية “تجرّم” التضامن مع فلسطين

صعّد طلاب من جامعة كامبريدج البريطانية احتجاجاتهم ضد ما وصفوه بـ”تجريم التضامن مع فلسطين”، بعد أن حصلت عدد من كليات الجامعة على أوامر قضائية تقيد اعتصاماتهم المناهضة للاستثمارات المرتبطة بإسرائيل.
وكانت كليتا ترينيتي وسانت جونز قد حصلتا على أوامر قضائية مؤقتة في وقت سابق من الأسبوع الجاري، بعد أن أعاد نشطاء إقامة مخيمات احتجاجية داخل الحرم الجامعي، رفضًا لما اعتبروه تقاعسًا من الجامعة في تنفيذ تعهداتها بقطع علاقاتها الاستثمارية مع شركات إسرائيلية.
وطالب محامو الكليتين المحكمة بجعل الأوامر نهائية وتمديدها لمدة عام كامل، بذريعة أن الاحتجاجات تُحدث “تشويشًا” على الطلاب أثناء فترة الامتحانات، معربين عن “قلق” الكليات من أجواء “الخوف والترهيب” التي قالوا إنها تُنشر بسبب وجود متظاهرين مقنّعين.
لكن حملة كامبريدج من أجل فلسطين (C4P) وصفت هذه الخطوة بأنها محاولة واضحة لـ”تجريم” الاحتجاجات الطلابية، ونشرت عبر حسابها على إنستغرام مقاطع فيديو يظهر فيها ضباط شرطة وهم يهددون المحتجين بالسجن، بحسب ما ورد في الرواية.
وفي حديث خاص لـميدل إيست آي، قال متحدث باسم المجموعة – فضّل عدم الكشف عن اسمه – إن إدارة الجامعة “تحاول طمس إجماع واسع داخل الجسم الطلابي يرفض شراكة الجامعة طويلة الأمد مع سياسات الإبادة”.
وأضاف: “قبل بضعة أشهر فقط، حين فرضت الجامعة أول أمر قضائي ضد الاحتجاجات، التقى أكثر من ألف طالب وأستاذ وموظف لإدانة هذا الإجراء القمعي والعنصري”، معتبرًا أن “الجامعة تعزل نفسها عن محيطها بسبب دفاعها الصريح عن العنف الصهيوني”، وأكد أن النشطاء لن يصمتوا “أمام تمويلها للقتل الجماعي وتدمير التعليم”.
ورغم محاولات الموقع الحصول على تعليق رسمي من جامعة كامبريدج، لم يُقدَّم أي رد حتى لحظة النشر.
وأشارت مجموعة C4P إلى أن كلية ترينيتي لا تزال تحتفظ باستثمارات في شركات تشمل Elbit Systems وCaterpillar وL3Harris Technologies وBarclays، رغم إعلان الجامعة في وقت سابق مراجعة سياستها الاستثمارية تحت شعار “الاستثمار المسؤول”، عقب اعتصام طلابي استمر لأشهر العام الماضي.
وأكدت المجموعة أن تجدد الاعتصام في الأسبوع الماضي جاء نتيجة “شهور من الغضب والإحباط” بين الطلاب وأعضاء هيئة التدريس والمجتمع المحلي، بسبب تراجع الجامعة عن تنفيذ تعهداتها.
أربعة مطالب رئيسية

كما طرحت الحملة أربعة مطالب رئيسية، أبرزها:
- الكشف الكامل عن جميع الروابط المالية للجامعة مع الشركات المتورطة في انتهاكات للقانون الدولي في فلسطين،
- الانسحاب الفوري من هذه الاستثمارات،
- وتوجيهها نحو دعم المجتمعات الفلسطينية.
وفي تطور سابق، كانت الجامعة قد حصلت في مارس الماضي على أمر من المحكمة العليا يمنع أي احتجاجات مؤيدة لفلسطين من ثلاث مناطق داخل الحرم الجامعي حتى نهاية يوليو 2025، بعد أن رفضت المحكمة طلبًا بتمديد الحظر لمدة خمس سنوات.
وتتألف جامعة كامبريدج من 31 كلية مستقلة ذاتيًا، لكل منها حرية اتخاذ قراراتها المالية. وقد واجه العديد منها ضغوطًا طلابية منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة في أكتوبر 2023، للمطالبة بسحب الاستثمارات من الشركات المتواطئة.
وفي 20 مايو الماضي، أعلنت كينغز كوليدج أنها ستسحب ملايين الباوندات من شركات السلاح ومن الشركات المتورطة في “احتلال أوكرانيا والأراضي الفلسطينية”، لتصبح بذلك أول كلية من جامعتي أكسفورد وكامبريدج تتخذ مثل هذا القرار.
ويأتي هذا في سياق حملة عالمية واسعة، يقودها طلاب في عشرات الجامعات حول العالم، حيث أُقيمت اعتصامات تضامنًا مع غزة ومناهضة للعلاقات الأكاديمية والمالية مع إسرائيل، وقد قوبلت هذه التحركات بقمع شديد من قبل الشرطة والأجهزة الأمنية في عدد من الجامعات.
موقف منصة العرب في بريطانيا
ما يجري في كامبريدج لا يمكن قراءته كمجرد خلاف جامعي داخلي. هو جزء من معركة كبرى يخوضها جيل جديد من الطلاب، لا فقط من أجل فلسطين، بل من أجل إعادة تعريف دور الجامعة في عالم تتشابك فيه المعرفة مع السلطة، والاستثمار مع العدل.
الرد على احتجاجات طلابية سلمية بإجراءات قضائية وأمنية يكشف هشاشة ادعاءات المؤسسات الأكاديمية بالحياد. وفي زمن تُقصف فيه جامعات غزة وتُجرف مدارسها، يصبح صوت الطلاب في كامبريدج امتدادًا لصوت المعلّمين تحت النار… ودفاعهم عن التعليم ليس شعارًا، بل مقاومة أخلاقية ضد “إبادة معرفية” تُباركها المؤسسات حين تصمت.
الجامعات لا يجب أن تُدار كصناديق استثمارية، بل كمختبرات للكرامة.
وصمت الأكاديميا على جرائم الاحتلال، أو تجريم من يعترض عليها، ليس حيادًا… بل انحيازٌ خطير، سيحكم عليه التاريخ يومًا.
المصدر ميدل ايست اي
إقرأ أيّضا
الرابط المختصر هنا ⬇