أكثر من نصف المجالس المحلية في إنجلترا على حافة الإفلاس
بينما تتصاعد الضغوط على المالية العامة في البلاد، حذّرت لجنة الحسابات العامة في البرلمان البريطاني من أزمة وشيكة تهدّد استقرار الحكم المحلي، بعد أن كشف تقريرها عن أن أكثر من نصف المجالس المحلية في إنجلترا تواجه خطر الإفلاس خلال العام المقبل، بسبب عجز مالي متراكم يُقدّر بنحو 5 مليارات باوند، يرتبط في معظمه بتمويل احتياجات التعليم الخاص للأطفال ذوي الإعاقات والاحتياجات الخاصة.
تحذير برلماني: إصلاحات غير واقعية ونظام مالي ينهار
في تحقيق أجرته اللجنة حول أوضاع تمويل السلطات المحلية، دعا النواب الحكومة إلى التحرك العاجل لمعالجة ما وصفوه بـ”الهوة المالية المتسارعة”، وأكدوا أن غياب خطة ملموسة لمعالجة هذا العجز يبعث برسالة مفادها أن الحكومة باتت تعتبر الأزمة المالية في المجالس مجرد “ضجيج اعتيادي”.
وقال رئيس اللجنة السير جيفري كليفتون-براون: “ما زال المسؤولون في الحكومة يعربون عن قلقهم بشأن أوضاع الحكم المحلي، لكن غياب أي تحرّك جادّ يشير إلى قبول صامت بانهيار قادم. من المقلق أن التدقيق في حسابات المجالس بات يولّد شعورًا بتكرار الأزمات ذاتها دون حلول تُذكَر.”
منذ عام 2021، سُمِح للمجالس بتأجيل تسجيل العجز المتعلق بميزانيات “الاحتياجات العالية” – الخاصة بالأطفال ذوي الإعاقات – بفضل ما يُعرف بـ”الاستثناء المحاسبي القانوني” الذي منحته الحكومة السابقة. لكن هذا الإجراء سينتهي بحلول مارس 2026، ما يعني أن العجز الضخم سيظهر فجأة في الميزانيات الرسمية، دافعًا عشرات المجالس إلى حافة الانهيار المالي.
توصية اللجنة البرلمانية كانت واضحة: على وزارة الخزانة ووزارة التعليم ووزارة المجتمعات أن تعمل فورًا على صياغة حلّ مستدام لمعالجة هذه العجوزات قبل انتهاء الاستثناء، بما يشمل تحديد آلية التعامل مع العجز التراكمي.
السلطات المحلية: بدون تدخل حكومي… سنُفلس
لويز غيتينز، رئيسة رابطة الحكومات المحلية التي تمثل المجالس، دعت الحكومة إلى إعلان موقف واضح تجاه العجز المتصاعد، قائلة: “نتوقع من الحكومة أن توضح على الفور كيف ستتعامل مع هذه الأزمة، إذ تُشير التقديرات إلى أن العجز سيصل إلى 5 مليارات باوند خلال العام المقبل.”
وأضافت: “أكثر من نصف المجالس حذّرتنا من أنها ستُعلن الإفلاس حال انتهاء فترة الاستثناء. لذلك نواصل المطالبة بشطب هذه العجوزات من الحسابات.”
اتهمت لجنة الحسابات العامة الحكومة بإحداث فوضى تشريعية وعدم وضوح في خطط الإصلاحات الخاصة بتمويل المجالس، ونظام التعليم الخاص، والرعاية الاجتماعية.
وأوضح كليفتون-براون: “الحكومة تُظهر رغبة في تنفيذ إصلاحات شاملة، لكنها غافلة عن واقع المجالس التي لا تملك القدرة البشرية أو المالية لتنفيذ تلك التحوّلات الهيكلية.”
الحكومة ترد
لكن وزير الدولة لشؤون الحكم المحلي جيم ماكماهون رفض انتقادات اللجنة، مؤكدًا أن الحكومة وضعت خطة واضحة لإعادة هيكلة النظام المالي للمجالس.
وقال:”بدأنا من نقطة الصفر ووضعنا خطة لإصلاح النظام، وأعدنا تشغيل نظام التدقيق، ونعمل على سنّ تشريعات لإنشاء مكتب تدقيق محلي جديد.” وأشار إلى أن مراجعة الإنفاق خصصت 5 مليارات باوند إضافية للخدمات المحلية، إضافة إلى 69 مليار باوند وُجّهت لدعم المجالس هذا العام.
العجز في ميزانيات المجالس يرتبط في جزء كبير منه بتمويل خطط التعليم والرعاية الصحية (EHCPs)، التي تضمن للأطفال والشباب حتى سن 25 عامًا الحصول على دعم مخصص من ميزانيات التعليم الخاص، في حالات مثل التوحد، واضطرابات فرط الحركة، وصعوبات النطق والتواصل.
وتعتزم الحكومة نشر “الكتاب الأبيض للتعليم” في الخريف، متضمنًا إصلاحات تمسّ هذا النظام، لكن القلق يتزايد من أن هذه الخطط قد تصل متأخرة بعد أن تكون المجالس قد انهارت ماليًا.
إنقاذ المجالس المحلية… مسؤولية سياسية لا محاسبية
تواجه إنجلترا اليوم لحظة حاسمة في مسار إدارتها المحلية: إما الاستجابة الحقيقية لأزمة التعليم الخاص وعجز التمويل، أو الدخول في سلسلة من الإفلاسات التي ستقوّض الثقة في نظام الحكم المحلي كله.
لا يكفي ضخ الأموال إذا لم تُقرن برؤية عادلة ومستدامة، ولا يمكن تحميل المجالس مسؤولية عجز خلقته سياسات مركزية متناقضة. ما لم تُلغَ هذه الديون، وتُعاد هيكلة تمويل الاحتياجات الخاصة، فإن أكثر من نصف المجالس سيفقد القدرة على الاستمرار… ومعها سيفقد آلاف الأطفال حقهم في التعليم والرعاية.
المصدر الغارديان
إقرأ أيّضا
الرابط المختصر هنا ⬇
19°C
